مقالات اقتصادية

ثروات معدنية وتطورات صناعية لما بعد النفط

كتب اسامة صالح 

بحسب المسح الجيولوجي في منطقة الدرع العربي في المملكة العربية السعودية ، تبين أن هناك كميات كبيرة جدا من المعادن، تقدر قيمتها بأكثر من خمسة تريليونات ريال، وتشمل نحو 1.1 تريليون ريال من الفوسفات و800 مليون ريال من الذهب، إلى جانب كميات كبيرة من النحاس والزنك وغيرهما من المعادن.

وفي الشهر الماضي أعلنت شركة “معادن” توقيع اتفاقيات لتأسيس أربع شركات للاستكشاف والاستثمار في الأصول التعدينية، واحدة منها مع صندوق الاستثمارات العامة مختصة بالاستثمار في الأصول التعدينية على الصعيد الدولي لتأمين المعادن الاستراتيجية.

وفيما يلي نظرة عامة على ما لدى المملكة من خطط وتطورات مهمة في سبيل تنويع مصادر الدخل والتركيز على المجال الصناعي وقطاع التعدين ورفع مستوى الاستثمار في هذه المجالات.

المجال الصناعي في المملكة

يأتي المجال الصناعي في قلب برامج رؤية المملكة 2030 من ضمن برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، الذي يهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية في عدد من المجالات الواعدة والتركيز على الثورة الصناعية الرابعة. هذا البرنامج يهدف بشكل مباشر إلى توفير فرص عمل مهمة للمواطنين، وإلى تحسين الموازين التجارية في المملكة، وزيادة المحتوى المحلي.

في 2019 تم إطلاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، الذي يشمل أربعة برامج رئيسة هي الطاقة والتعدين والصناعة والخدمات اللوجستية، مع التركيز على محوري المحتوى المحلي والثورة الصناعية الرابعة. وقد حقق البرنامج عددا من الإنجازات شملت تنفيذ برنامج المسح الجيولوجي، وإطلاق خمسة خطوط ملاحية جديدة، وإنشاء محطات للطاقة المتجددة، إلى جانب دعم الاستثمار في القطاع الصناعي وتوطين قطاع الصناعات العسكرية وإطلاق برنامج “صنع في السعودية”.

فيما يخص تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، تم تأسيس مركز مختص في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية كفرع لمركز الثورة الصناعية الرابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي، إلى جانب وجود مركز خاص بشركة أرامكو معني كذلك بالثورة الصناعية الرابعة وتطوير التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والبيانات الضخمة. إضافة إلى ذلك فإن منطقة “نيوم” في شمال غرب المملكة تعد أحد أبرز الساحات العالمية الداعمة لتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة وتطويرها.

شركة “معادن”

تعد شركة معادن من أبرز شركات التعدين في العالم وأسرعها نموا، وهي تقوم بدور مهم جدا في تنويع الاقتصاد السعودي خارج مجال النفط والغاز، حيث تقوم الشركة بإدارة وتشغيل 17 منجما وتصدر منتجاتها إلى أكثر من 30 دولة. من أهم أعمال الشركة إنتاج الذهب حيث تم إنتاج 330 ألف أوقية ذهب في 2017 وتستهدف الشركة رفع الإنتاج ليصل إلى مليون أوقية ذهب في 2025.

إلى جانب إنتاج الذهب، تعمل “معادن” على إنتاج عدد كبير من المعادن الصناعية المستخدمة في مجالات صناعية عديدة، إما كمواد خام وإما كمواد مضافة في صناعة مواد البناء والسيراميك والطلاء والبلاستيك وفي بعض المنتجات الزراعية والإنشائية، من أبرز هذه المعادن الصناعية البوكسايت والكاولين والمغنيزيا. لدى الشركة كذلك إنتاج كبير من الألمنيوم، الذي يعد ثالث أكثر العناصر والمعادن وفرة بعد الأكسجين والسيليكون على الكرة الأرضية. ولدى الشركة مشروع مشترك مع شركة “ألكوا” يعد أكثر مشاريع الألمنيوم تكاملا على مستوى العالم، بتكلفة 40 مليار ريال، حيث يتم بيع منتجات هذه المصانع في الأسواق المحلية والعالمية.

أما في مجال مادة الفوسفات فهناك تعاون مشترك بين معادن وشركة سابك بتكلفة 21 مليار ريال لإنتاج الفوسفات، الذي يتشكل طبيعيا من عنصر الفوسفور ويستخدم بكثرة في الإنتاج الزراعي، ويأتي على هيئة فوسفات الأمونيوم الثنائي أو الأحادي. وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع نحو ثلاثة ملايين طن من فوسفات الأمونيوم سنويا.

وتنتج الشركة كذلك من خلال مشروع وعد الشمال بتكلفة 31 مليار ريال أسمدة أخرى تشمل الفوسفات ثنائي الأمونيوم، وآخر لإنتاج الأمونيا بالتعاون مع شركة “دايليم” الكورية الجنوبية لإنتاج نحو 1.1 مليون طن سنويا.

الخدمات اللوجستية لدعم الصناعة والتعدين

رؤية المملكة 2030 هي خطة ما بعد النفط وتحتوي على عدد من المحاور والأهداف الاستراتيجية والبرامج المخصصة لتحقيق الرؤية، أحد أهم تلك الخطط الاستفادة من موقع المملكة الجغرافي في بناء كيانات لوجستية كبيرة، نتج عنها ضخ استثمارات كبيرة في مشاريع السكك الحديدية والطرقات والمطارات والموانئ. لا شك أن إيجاد هذه الكيانات اللوجستية أمر في غاية الأهمية لمستقبل الصناعة والتعدين في المملكة.

تهدف الرؤية إلى جعل مشاريع النقل ممولة ذاتيا بـ20 في المائة، ما يتيح الفرصة أمام القطاع الخاص للمشاركة في الموانئ والمطارات والسكك الحديدية والبنية التحتية للطرق والخدمات الاستراتيجية، إلى جانب الاستثمار في النقل الجماعي. وتهدف الرؤية كذلك إلى تطوير 69 منصة لوجستية ورفع الطاقة الاستيعابية للشحن إلى 4.5 مليون طن من البضائع ونقل 330 مليون راكب عبر المطارات، تشمل 30 مليون معتمر سنويا، إلى جانب زيادة سعة الموانئ وتعزيز الحلول التقنية، والدخول إلى عصر السيارات الكهربائية والسيارات ذاتية القيادة، والتقدم بالمملكة عالميا من المركز 49 لوجستيا إلى المراتب العشر الأولى، مع ضمان الريادة الإقليمية.

المجال الصناعي ساحة كبيرة للمنافسة بين الدول

الثورة الصناعية الرابعة هي تلك الثورة التي تلت ثلاث ثورات صناعية في تاريخ البشرية، بدءا من استخدام حركة الماء والبخار لتوليد الطاقة، ثم استخدام الكهرباء في العمليات الصناعية، ثم استخدام الحاسب وتقنية المعلومات في ميكنة الأعمال. وباستثناء عدد قليل من دول العالم التي شقت طريقها في مجال التميز الصناعي، تواجه معظم دول العالم صعوبات وتحديات في المنافسة في مجال الصناعة على المستوى العالمي.

من خلال رؤية 2030 يتضح أن المملكة تراهن على التميز في المجال الصناعي المتطور، ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة التي يتم استخدام التقنية فيها للارتقاء بالنشاط الصناعي ورفع إنتاجيته وتعزيز القدرات التنافسية فيه.

تتنافس الدول في مقدرتها على التصنيع والإنتاج والتجارة وجذب رؤوس الأموال الأجنبية لرفع الناتج الاقتصادي للدولة، والمساهمة في تنمية البلاد ورفاهية المواطن، غير أن أهم مصادر ديمومة الثراء لأي دولة نجده في القطاع الصناعي، الذي من خلاله يتم تحويل المواد الخام أو المكتملة جزئيا إلى منتجات متنوعة للاستهلاك المحلي وللتصدير لدول العالم.

كما لا تزال الصين أكبر ماكينة صناعية في العالم بإنتاج بلغ نحو خمسة تريليونات دولار في 2021، تليها في ذلك أمريكا بنحو نصف الطاقة التصنيعية، ثم يأتي بعد ذلك بفارق كبير كل من اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية والهند، إلى إندونيسيا في المركز العاشر بإنتاج نحو 257 مليار دولار.

الصين أكبر من أمريكا في المجال الصناعي على الرغم من كون الناتج المحلي الأمريكي الأكبر في العالم، وذلك بسبب ضخامة قطاع الخدمات في أمريكا. قطاع الخدمات مهم جدا ولذا نجد أن مجال تطوير الخدمات اللوجستية، الواقع من ضمن برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية في برامج رؤية 2030، يصب بشكل كبير في مجال تطوير قطاع الخدمات، وبالتالي فمن الممكن أن يؤدي هذا البرنامج إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي خارج النطاق الصناعي ذاته إلى مجالات أخرى كالتجارة الإلكترونية.

تعد المملكة من أكبر الدول المنتجة للنفط وأهمها على الإطلاق، حيث يستخدم النفط في جملة من المنتجات تقوم شركات وطنية بالاستفادة منه ومن مشتقاته في صناعات متنوعة.

ما الصعوبات والتحديات المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة؟

مصادر التحديات والصعوبات هي تلك الجزيئات التي تطرق إليها برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، التي من خلالها يتم التمكين والتيسير والدعم للصناعة، وتشمل تطوير الأنظمة والتشريعات والتمويل وتطوير البنى التحتية اللازمة وإيجاد الأراضي الصناعية وتجهيزها، وإنشاء المناطق الاقتصادية والبحث والتطوير والابتكار وبناء القدرات والمهارات وغيرها. ويعد التحول الرقمي، الذي هو بحد ذاته واحد من أهم برامج الرؤية، الداعم الأبرز للانتقال إلى الثورة الصناعية الرابعة، ويشمل عددا من الخطوات التطويرية لتسريع تحول عدد من مناحي الحياة إلى العالم الرقمي من خلال تبني أنظمة الاتصالات وتقنية المعلومات وتفعيل استخداماتها للوصول إلى مجتمع معلوماتي واقتصاد رقمي.

طبيعة واردات المملكة وصادراتها

عند الظر إلى طبيعة واردات المملكة على مدى الأعوام الماضية من حيث هيئة المواد المستوردة، نجد أننا لا نزال نعتمد على استيراد المنتجات الجاهزة، التي في حقيقتها تعني الاستهلاك المباشر، وليست الصناعة والإنتاج. كما يتبين من بيانات التجارة الدولية لكانون الأول (ديسمبر) 2022، أكثر من 72 في المائة من واردات المملكة عبارة عن منتجات جاهزة، بينما تشكل المواد الخام، التي عادة تعطي دلالة قوية لحجم النشاط الصناعي في الدولة، فقط 3 في المائة من إجمالي الواردات، وهذه النسب ثابتة تقريبا على مدى الأشهر والأعوام الماضية.

ليس من الضرورة أن تستورد الدولة المواد الخام لقيام كيانات صناعية لديها، وذلك أولا لوجود مواد خام متنوعة في المملكة، وثانيا هناك مجال الصناعات التجميعية التي يتم فيها استيراد مواد شبه مكتملة أو جزيئات مكتملة لبناء منتجات تحتوي على عدة أجزاء.

لذا نجد أن نحو ربع الواردات السعودية عبارة عن قطع وأجزاء تستخدم في منتجات أخرى، وذلك يشير إلى جانب مهم من العملية الصناعية وهو نشاط التجميع، ومن أمثلة ذلك مصنع سيارات أيسوزو في المملكة، الذي يقوم بتجميع الأجزاء المكونة لشاحنات أيسوزو لإنتاج شاحنات مكتملة. وكثير من المنتجات الصناعية حول العالم تتم بأسلوب التجميع، الذي لا يقل صعوبة ولا أهمية عن مجال التصنيع المباشر للجزيئات أو للمنتجات الكاملة، حيث نجد في بعض التصنيفات أن عمليات التجميع تحسب من ضمن الإنتاج الصناعي.

ان الواردات السعودية حسب الاستخدام أهمية المواد الوسيطة، ما يعد من المؤشرات الإيجابية في هذا الجانب، حيث تشكل المواد الوسيطة نحو 44 في المائة من الواردات، بينما لا تزال الواردات الموجهة للاستهلاك النهائي تشكل نحو 35 في المائة.

ومع ذلك فقراءة طبيعة الواردات لا تعطي الصورة الكاملة لواقع التصنيع في المملكة بسبب وجود عمليات صناعية محلية كبيرة لا تعتمد على المواد الخام الخارجية، مثل الصناعات البتروكيمياوية التي تعتمد على منتجات النفط والغاز المحلية. لذا نستطيع أن نقدر حجم نشاط التصنيع الموجه للخارج من خلال بيانات التصدير المتوافرة، وهي عادة تشكل المنتجات الخام فيها نحو 83 في المائة من الصادرات، وهي المبوبة لدى هيئة الإحصاءات العامة باسم المنتجات المعدنية، إضافة إلى اللدائن ومصنوعاتها، كالمواد الخام المستخدمة في الصناعات البلاستيكية والكيمياوية وغيرها.

ربما إذن أحد أهم المؤشرات التي نحتاج إلى التركيز عليها هي نسبة المنتجات الجاهزة التي نقوم بتصديرها، لكون ذلك يشير إلى حجم النشاط الصناعي النهائي الذي يدل على التفوق الصناعي والمقدرة على المنافسة الخارجية، وليس فقط تصدير المنتجات الخام.

برنامج “صنع في السعودية”

تم قبل نحو عامين إطلاق برنامج “صنع في السعودية” الذي يهدف بشكل أساس إلى دعم المنتجات المصنوعة في المملكة على المستويين المحلي والعالمي، بحيث تكون هناك ثقة وولاء للمنتج السعودي داخليا وخارجيا. يبدو أنه الوقت المناسب لإطلاق هذا البرنامج تزامنا مع النشاطات والتطورات الكبيرة التي نراها محليا في مجال الثورة الصناعية الرابعة، والسعي الحثيث إلى تحقيق أهداف برامج الرؤية، وكذلك تنمية السمعة التراكمية الطيبة للمنتج السعودي، حيث بدأنا منذ عدة أعوام نلحظ تحسن تلك السمعة وجاذبية المستهلك نحوها في دول قريبة وبعيدة.

إلى أين تتجه الصادرات السعودية؟

بالنظر إلى تقرير “إلى أين تتجه صادرات المملكة؟” لكانون الأول (ديسمبر) 2022، وهي شبيهة إلى حد كبير بالشهور الأخرى والأعوام الأخرى، نجد أن نحو نصف صادرات المملكة تتجه إلى أربع دول آسيوية، الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، وهذه الدول كما هو معروف ليست دولا استهلاكية، وذلك لكون معظم صادرات المملكة ليست منتجات جاهزة، كما ذكرنا. الدول الاستهلاكية التي يمكن قياس مدى نجاح القطاع الصناعي الوطني عليها هي الدول الأوروبية وأمريكا، التي معا تستقبل نحو 10 في المائة من صادرات المملكة حاليا.

كيف نقيس النشاط الصناعي؟

لدى الهيئة العامة للإحصاء مؤشر مخصص لقياس النشاط الصناعي، يسمى الرقم القياسي للإنتاج الصناعي، وهو يأتي حسب منهجية وبرنامج مسح شامل يتم فيه أخذ بيانات ميدانية من نحو ثلاثة آلاف منشأة صناعية، تتم معالجتها واستخراج قيمة هذا المؤشر منها. فمن خلال المسح الميداني يتم رصد عدد من البيانات المهمة مثل عدد الموظفين وكمية المواد الخام المستخدمة وكمية الإنتاج ونوعه، وحجم الأصول الثابتة، وحجم الإنفاق، وغير ذلك.

نرى أن قيمة المؤشر بنهاية 2022 بلغ 134.4 نقطة، وكان قد انخفض بشكل حاد إلى 98.5 نقطة في خضم أزمة كورونا وما صحبها من تراجعات على مستوى الأنشطة التجارية والصناعية. هذه قيمة المؤشر العام الذي هو عبارة عن المتوسط الموزون لثلاثة مؤشرات هي: مؤشر التعدين واستغلال المحاجر بوزن نحو 75 في المائة، ومؤشر الصناعات التحويلية بوزن 23 في المائة، ومؤشر إمدادات الكهرباء بوزن 3 في المائة.

ماذا عن الصادرات الرقمية؟

ان الحاجة إلى إضافة وسيلة رابعة إلى وسائل نقل صادرات المملكة، كما تظهر في بيانات الهيئة، وهي 75 في المائة عن طريق البحر، و15 في المائة عن طريق البر، و10 في المائة عن طريق الجو. والوسيلة الرابعة هي عن طريق الإنترنت ليشمل ذلك صادرات المملكة الرقمية نتيجة التطورات الكبيرة في مجال التحول الرقمي وما سيأتي من منتجات متعلقة بمجال الثورة الصناعية الرابعة وغيرها من النشاطات الرقمية المتوقع أن تكون إسهاماتها كبيرة في الناتج المحلي والصادرات على وجه الخصوص.

الخاتمة

تم استعراض بعض مظاهر التطورات المتعلقة بالنشاط الصناعي في المملكة، وما هنالك من جهود على مستوى القطاعين العام والخاص في مجال الصناعة والتعدين، والدور الذي توليه المملكة لمجال الثورة الصناعية الرابعة، والتطورات اللافتة في مجال الاستفادة من الثروات التعدينية التي تم مسحها أخيرا وتبين من خلالها وجود كميات كبيرة ومتنوعة من المعادن تحت أراضي المملكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى