اقتصاد دولي

حرب الاقتصاد تستعر… روسيا تستولي على أصول شركات غربية كبرى

استولت روسيا بشكل غير متوقع على العمليات المحلية لـ”كارلسبيرغ سي إيه بي جي واي” و”دانون دانوي”، وهما من أكبر شركات السلع الاستهلاكية في العالم، في خطوة تصعد العداوات الاقتصادية مع الغرب.

وفي مرسوم وقعه الرئيس فلاديمير بوتين الأحد الماضي، وضعت روسيا عمليات الشركتين تحت إدارة موقتة تتبع سيطرة وكالة إدارة الممتلكات الحكومية الفيدرالية (روزيموتشيستفو)، بحسب ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال”.

هذه هي المرة الثانية التي تستولي فيها روسيا على أصول غربية في البلاد منذ كشف الكرملين عن مرسوم في أبريل (نيسان) الماضي، يسمح للدولة بالسيطرة الموقتة على أصول الشركات أو الأفراد مما تسميه موسكو الدول “غير الصديقة”، في حين قال مسؤولون روس إن الخطوة تأتي رداً على تحركات مماثلة من جانب دول غربية.

وفي أبريل الماضي سيطرت روسيا على المرافق المملوكة للشركة الألمانية لتوليد الطاقة في أوروبا “يونيبير” وشركة الطاقة الفنلندية “فورتيوم”.

ويضع المرسوم الروسي عقبات جديدة أمام الشركات الأجنبية التي تحاول الخروج من البلاد، مما يمثل خطوة في المعركة الاقتصادية التي تدور بالتوازي مع الحرب التي تدور رحاها في ساحات القتال في أوكرانيا.

طلقة تحذير للشركات الغربية 

وكافح عديد من الشركات الغربية لإنهاء عملياتها في روسيا، وكانت عمليات الاستيلاء الأخيرة على الأصول بمثابة طلقة تحذير لأولئك الذين ما زالوا يتطلعون إلى الخروج في وقت تكافح الشركات التي قالت إنها ستغادر العام الماضي للعثور على مشترين، لكن اليوم هناك عقبة تتمثل في احتمال الاستيلاء على الأعمال التجارية.

من جانبها قالت المسؤولة السابقة في البنك المركزي الروسي الباحثة غير المقيمة في مركز “كارنيجي روسيا أوراسيا”، ومقره برلين، ألكسندرا بروكوبينكو للصحيفة “هذا بعد آخر للحرب، الأصول الغربية في روسيا لم تعد آمنة بعد الآن”.

وقالت بروكوبينكو إن هذه الخطوة تظهر أن “الكرملين تخلى عن أية فكرة عن تطبيع محتمل للعلاقات مع أوروبا، سواء الآن أو لاحقاً”.

ويذكر أن أكثر من 1000 شركة متعددة الجنسيات تركت أو قلصت عملياتها في روسيا، وفقاً لمعهد “تشيف إغزاكيتيف ليدارشيب إنستيتيوت”، وهو ذراع من كلية ييل للإدارة الذي قام بتجميع قاعدة بيانات عن هجرة الشركات منذ بداية الحرب.

تمكنت بعض الشركات من تأمين المغادرة السريعة، غالباً من طريق البيع بتخفيضات كبيرة أو تسليم المفاتيح إلى الإدارة الإقليمية، لكن عديد من أولئك الذين قلصوا أعمالهم استمروا في العمل في روسيا، أحياناً بقدرة محدودة أو من دون استثمارات جديدة.

وأحصى باحثو جامعة ييل ما لا يقل عن 400 شركة أجنبية إما واصلت القيام بأعمال تجارية في روسيا أو لم تقلص بشكل هادف.

ومن بين الشركات الغربية المتبقية عديد من صانعي المواد الغذائية والمشروبات والمنتجات المنزلية، وعلى سبيل المثال قامت “بيبسي كو” و”غامبلي” و”بروكتير” و”يوني ليفر” ببيع مجموعة محدودة من المنتجات في روسيا منذ الهجوم على أوكرانيا، واصفة هذه المنتجات بأنها أساسية.

روسيا تفرض ضريبة خروج

من بين الشركات الكبرى الأخرى التي تتطلع إلى الخروج من روسيا شركة التخمير العملاقة “هاينكن”، التي قالت في مارس (أذار) الماضي إنها تبذل كل ما في وسعها للعثور على مالك جديد لأعمالها، في حين قالت شركة “بريتيش أميركان توباكو” في الشهر نفسه إنها بدأت عملية نقل ملكية أعمالها الروسية بسرعة والخروج من البلاد.

جعلت روسيا من الصعب على الشركات الأجنبية المغادرة، ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي تبنى الكرملين قواعد تطالب الحكومة الروسية بإجراء تقييم للقيمة السوقية لأي أصل معروض للبيع من شركة أجنبية، إذ يطلب من البائع بعد ذلك بيع الأصل بخصم 50 في المئة من تلك القيمة، إضافة إلى ذلك تفرض موسكو ضريبة خروج بنسبة 10 في المئة من سعر الصفقة في وقت تحاول فيه تدعيم عجز موازنتها الكبير، بسبب تكاليف الحرب في أوكرانيا.

قالت شركة “كارلسبيرغ سي إيه بي جي واي” في مارس من العام الماضي أنها تخطط لمغادرة روسيا، إذ كانت شركة الجعة الدنماركية من بين الشركات الغربية الأكثر تعرضاً لروسيا من خلال أعمالها في “بالتيكا بروويريز”، ولدى “بالتيكا” ثمانية مصانع بيرة في روسيا ونحو 8400 موظف هناك، يمثلون أكثر من واحد من كل خمسة أعضاء من إجمالي القوى العاملة العالمية في مجموعة “كارلسبيرغ”، التي قالت الشهر الماضي إنها أبرمت صفقة لبيع أعمالها في روسيا، مضيفة أن العملية كانت “معقدة للغاية”، محذرة من أن الصفقة الجارية تخضع لموافقة الجهات التنظيمية من الحكومة الروسية.

وقالت شركة الجعة الأحد الماضي إنها لم تحصل على أية معلومات رسمية من السلطات الروسية حول المرسوم أو عواقبه، وقالت في بيان “تعمل مجموعة كارلسبيرغ وفقاً للقواعد واللوائح المحلية في روسيا، وتجد هذا التطور غير متوقع”.

من جانبها لم تجد شركة “دانون”، أكبر شركة ألبان في روسيا، مشترياً لذراعها لمنتجات الألبان والنباتات في البلاد، وقالت الشركة الفرنسية في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي إنها بدأت في البحث عن طرق لبيع الشركة.

وقالت “دانون” يوم الأحد الماضي إنها “تستعد لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية حقوقها كمساهم في دانون روسيا، واستمرار عمليات الشركة”.

مبدأ “المعاملة بالمثل” 

وفي أبريل الماضي قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن موسكو تتخذ إجراءات انتقامية لما وصفه بالجهود الغربية للاستيلاء على الأصول الروسية في الخارج، وحذرت روسيا في ذلك الوقت من أنها قد تصادر مزيداً من الأصول الغربية.

في العام الماضي سيطرت ألمانيا على الأعمال الألمانية المشتركة مع شركة النفط الروسية العملاقة “روسنفت”، ووضعت شركة الغاز الطبيعي الألمانية التابعة لشركة “غازبروم”، التي كانت تعرف سابقاً باسم “غازبروم جرمانيا”، تحت الوصاية.

وقالت الباحثة بروكوبينكو إن “سلطة موسكو في الاستيلاء على الأصول الغربية ستستخدم في كثير من الأحيان، وهذه ليست سوى البداية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى