اقتصاد خليجي

حقل “الجافورة”… نحو قصة سعودية جديدة للتفوق في قطاع الطاقة

قال محللون في قطاع الطاقة إن إعلان السعودية عن اكتشاف احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي يتزامن مع توجه أكبر دولة مصدرة للنفط الخام نحو دعم تحول الطاقة محلياً والاعتماد على مصادر طاقة أنظف.

وكشف المحللون في إفادات لـ”اندبندنت عربية” عن أن السعودية ستكون ثالث أكبر مصدر للغاز عالمياً، موضحين أن الإعلان تزامن مع توجيه حكومي بعدم زيادة إنتاج “أرامكو”، بينما سينصب التركيز على إنتاج الغاز وتحقيق الريادة فيه.

وتمكنت “أرامكو” من إضافة كميات كبيرة إلى احتياطات الغاز والمكثفات المؤكدة في حقل “الجافورة” غير التقليدي، إذ جرى تأكيد 15 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الخام وملياري برميل من المكثفات كاحتياطات مؤكدة.

وبفضل هذه الإضافات الجديدة، فإن كميات الموارد في حقل “الجافورة” أصبحت تقدر بحوالى 229 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز و75 مليار برميل من المكثفات، إذ صادقت على تقديرات الموارد والاحتياطات المؤكدة للحقل شركة استشارات مستقلة كبرى متخصصة في مجال المصادقة على الموارد والاحتياطات المؤكدة.

جرى حساب هذه التقديرات الجديدة باستخدام منهج جديد لحجز الاحتياطات الصخرية، وطبق على الموارد غير التقليدية للمرة الأولى في قطاع الطاقة، ويمكن تطبيقه على نطاق واسع في القطاع.

وتصل استثمارات تطوير الحقل إلى 412 مليار ريال (110 مليارات دولار)، وستؤدي مراحل تطويره إلى تزايد إنتاج الغاز تدريجاً ليصل في حال اكتمال تطويره إلى 2.2 تريليون قدم مكعبة عام 2036، تمثل نحو 25 في المئة من الإنتاج الحالي.

ويعد “الجافورة” جزءاً أساسياً من استراتيجية السعودية لتنويع صادراتها من الطاقة بعيداً من النفط، وكانت التقديرات الأولية تشير إلى أن الحقل يحوي 200 تريليون قدم مكعبة من الغاز الخام، وتتوقع “أرامكو” أن يبدأ الإنتاج في الحقل عام 2025، لتصل المبيعات إلى نحو ملياري قدم مكعبة قياسية يومياً بحلول 2030.

استمرارية الموارد

وأفادت “أرامكو” في بيان بأنه “جرى تقييم ممارسات الحجز الاحتياط من خلال تحديد استمرارية الموارد وانسجام الأداء. وتحققت شركة “ديغويلر أند ماكنوتن” الاستشارية المرموقة لإصدار شهادات احتياطات قطاع الطاقة، من صحة التقديرات الجديدة تقنياً وعملت على مراجعة آلية الحجز الإحصائي وقدمت تقييماً مستقلاً تماماً”.

وتعليقاً على ذلك، قال رئيس “أرامكو السعودية” وكبير إدارييها التنفيذيين أمين الناصر، “تمكنا من تحقيق هذا الإنجاز الذي يعزز الثروة الهيدروكربونية في السعودية، ويدعم الاحتياطات المؤكدة من الغاز الذي يُعد مورداً مهماً وحيوياً للطاقة والصناعات الكيماوية، وتبذل أرامكو بدعم وتمكين من الدولة والجهات المعنية جهوداً جبارة في أعمال التنقيب والإنتاج، مستعينة بأعلى التقنيات الرقمية والصناعية بما في ذلك النمذجة الفائقة والبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي”.

وأضاف الناصر أن “هذه الجهود أسفرت عن إحراز تقدم ملموس للتوسع في مجال الغاز الذي يعد أحد محركات النمو في الشركة، وأحد عناصر التمكين الاقتصادي في السعودية، ويمثل حقل الجافورة عنصراً أساسياً في استراتيجيتنا الطموحة لزيادة إنتاج أرامكو السعودية للغاز”.

وأوضحت “أرامكو” أنه يجري العمل حالياً على مرافق الإنتاج في الجافورة، مع خطط لزيادة الإنتاج للوصول إلى معدل مبيعات مستدام للغاز يبلغ ملياري قدم مكعبة قياسية يومياً بحلول عام 2030، إضافة إلى كميات كبيرة من الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي والمكثفات.

فوضى أسواق الغاز

من جهته، قال المستشار في شؤون الطاقة ومدير دراسات الطاقة في منظمة “أوبك” سابقاً د. فيصل الفايق إن توقيت الإعلان عن زيادة كبيرة لاحتياطات الغاز والمكثفات في حقل “الجافورة” جاء في وقت تعج أسواق الغاز العالمية بفوضى، ولكن لا علاقة للإعلان بما تمر به أسواق الغاز العالمية حالياً من تدهور للأسعار وانخفاض مستوياتها إلى أكثر من النصف في خمسة أشهر وهبوطها إلى أقل مستويات في ثمانية أشهر.

وأفاد الفايق بأن الإعلان عن الاحتياطات الجديدة للغاز جاء متزامناً مع تصريحات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، بأنه على رغم أن الغاز الطبيعي هو أكبر مصدر للطاقة المستخدمة لتوليد الكهرباء في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يشكل 43 في المئة من توليد الكهرباء عام 2023، إلا أن الولايات المتحدة تخطط للاستغناء عن 5.2 غيغاواط من قدرة توليد الكهرباء في 2024، وهو انخفاض بنسبة 62 في المئة عن العام الماضي، عندما أوقف 13.5 غيغاواط، إذ يشكل الفحم والغاز الطبيعي معاً 91 في المئة من حالات الاستغناء عن محطات توليد الكهرباء في البلاد هذا العام.

وقال “إن كانت بعض الدراسات السابقة أفادت بأن كلفة إنتاج الغاز الصخري مرتفعة، إلا أنها منحصرة في نطاق الغاز الصخري الأميركي الذي حول الولايات المتحدة من مستوردة للغاز إلى أحد أكبر المصدرين، ولا يمكن أن نقارن حقول الغاز الصخري الأميركية الصغيرة والمتفرقة التي لا تملك بنية تحتية متكاملة بحقل الجافورة الذي يقدر طوله بـ170 كيلومتراً وعرضه 100 كيلومتر وهو قريب من البنية التحتية لمرافق الإنتاج وخطوط أنابيب أرامكو”.

وأشار إلى أن السعودية تمتلك أدنى كلفة لإنتاج النفط في العالم بنحو ثلاثة دولارات للبرميل، مما ساعد “أرامكو” لأن تصبح أكبر شركة طاقة ربحية في العالم والأقوى من حيث المرونة المالية، وكذلك، فإن كلفة الغاز المصاحب من حقول النفط ضئيلة، أما كلفة إنتاج الغاز الصخري غير المصاحب، فستكون مختلفة تماماً.

أكبر مستهلك للغاز في المنطقة

وكشف الفايق عن أن الطلب المحلي على الغاز في السعودية يتزايد بصورة مطّردة، فالمملكة هي أكبر مستهلك للغاز في الشرق الأوسط، ويستخدم الغاز لتوليد الكهرباء وصناعة البتروكيماويات، وقد لا يدخل إنتاج الغاز السعودي حالياً إلى سوق التصدير الإقليمية أو العالمية، نظراً إلى الطلب المحلي الكبير عليه ولكن من الممكن أن يحمل المستقبل مفاجآت لعملاق آتٍ إلى أسواق الغاز العالمية التي تحتاج إلى تنظيم.

وأوضح الفايق أن السعودية تخطط لأن تكون رائدة كمورد رئيس للهيدروجين النظيف على مستوى العالم بناء على احتياطاتها الكبيرة من الغاز، مما يساعدها في إنتاج الهيدروجين الأزرق، وهو الغاز الذي يُنظر إليه على أنه مفتاح تحول الطاقة لأنه لا يطلق أي انبعاثات كربونية.

دلالات استراتيجية

من جهته، قال محلل أسواق الطاقة في “اقتصاد الشرق مع بلومبيرغ” وائل مهدي إن إعلان السعودية عن زيادة احتياطات الغاز في “الجافورة” له دلالات استراتيجية، لا سيما أنه جاء بعد إعلانها تأجيل خطط رفع طاقة “أرامكو” الإنتاجية من النفط.

وتابع مهدي أن الاحتياطات الجديدة تعد دليلاً إضافياً على توجه السعودية إلى الغاز من أجل دعم تحول الطاقة محلياً والاعتماد على مصادر طاقة أنظف، شارحاً أن غاز “الجافورة” لديه ثلاث مزايا استراتيجية، أولها أهميته لبرنامج خفض استهلاك السوائل البترولية وتصديرها بدلاً من حرقها، وثانيها أنه أساس برنامج “أرامكو” لتصبح أكبر مصدر هيدروجين أزرق في العالم، وثالثها أنه قد يكون الدافع وراء توجه الرياض لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى العالم للمرة الأولى.

ترقب اكتشافات مماثلة

من جانبه، قال المستشار الاقتصادي والرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية، ومقره الرياض، علي بوخمسين إن حجم كميات الاحتياط في حقل “الجافورة” تجعله أحد أكبر حقول الغاز في العالم، ولا تقف أهمية هذا الكشف عند هذا الحد بل الأمر يتجاوز ذلك، إذ إنه يفتح الباب على مصراعيه لاحتمالية الإعلان مستقبلاً عن مزيد من الاكتشافات المماثلة، سواء في هذا الحقل أو الحقول الأخرى في المنطقة، بحيث يعتقد بأن المنطقة بأكملها مليئة بالمكامن النفطية وآبار الغاز الطبيعي.

وأكد أن الإعلان عن الاكتشافات الجديدة للغاز تحمل دلالات معينة تؤكد دور السعودية عالمياً، باعتبارها أحد أهم مصدري الغاز في السوق العالمية مستقبلاً، إذ إنها أصبحت اليوم تمتلك احتياطات مؤكدة تدل على أنها ستصبح ثالث أكبر مصدر للغاز عالمياً، بما يعني أنها الأكبر في إنتاج النفط والثالثة في مجال الغاز بخلاف الهيدروجين ومصادر الطاقة الجديدة الأخرى، مما يعزز من قيادتها العالمية لأسواق الطاقة واستمرارية كونها الدولة المركزية الأكثر أهمية استراتيجياً في الشرق الأوسط التي ستصيغ سياسة العالم في الطاقة.

 وقال بوخمسين، “يجب أن نتلمس بوضوح أكبر أن الإعلان أن الحكومة وجهت أرامكو بأن طاقتها الإنتاجية في النفط يجب ألا تتوسع أكثر من القدرة الإنتاجية لـ 13 مليون برميل يومياً، وعليه جرى الحديث أن الاستثمارات التي كانت مقررة في البنية التحتية للإنتاج ستحول إلى مسارات أخرى، والآن أصبحنا نعلم أن هذه الاستثمارات ستتجه حتماً لإنتاج الغاز الذي أصبحت أهميته تتزايد في السعودية ليحتل دوراً ريادياً بعدما ثانوياً في الفترات السابقة”.

حاجات الغاز

وأردف بوخمسين أن الإنتاج السعودي المتوقع من الغاز سيساعد على سد الحاجات المحلية للمادة، وتلبية طلب الصناعات البتروكيماوية وتوليد الكهرباء بديلاً عن النفط، إضافة إلى التوسع في شبكة خطوط أنابيب الغاز المحلية التي من المقرر توسعتها بـ4 آلاف كيلومتر طولي، بما يعني الجاهزية مستقبلاً للاتجاه إلى التصدير للدول المجاورة الكبيرة التي تزداد كميات الطلب فيها على الغاز مثل العراق.

وأوضح بوخمسين أن السعودية تنتج حالياً 120 مليار متر مكعب بعد أن كان 114 مليار متر مكعب في 2021، وكان لاكتشاف سبعة حقول غاز خلال الفترات الأخيرة الفضل في إمكان زيادة القدرات الإنتاجية لسد الطلب المحلي، ولكن الآن من المتوقع مع ارتفاع الاحتياطات أن يصل الإنتاج إلى أكثر من 600 مليار متر مكعب مستقبلاً.

“رؤية 2030”

وتركز “رؤية السعودية 2030” على تقليص الاعتماد على النفط باعتباره المصدر الأساس للدخل والتوسع في إنتاج مصادر الطاقة البديلة، وزيادة القيمة المضافة من البتروكيماويات، مما دفع إلى تغيير شركة “أرامكو” استراتيجيتها من كونها أكبر مصدر للنفط، لتصبح أكبر مصدري الطاقة بكل أنواعها بما يعني الاستفادة من موارد الغاز المتاحة.

وقال بوخمسين إن السعودية ماضية في تطوير عمليات استخراج متقدمة للغاز بنوعيه المصاحب وغير المصاحب، إذ من المعلوم أن كلفة استخراج الغاز الصخري في أميركا هي الأقل كلفة، وذلك يعزز من اقتصادية الإنتاج لديهم لكن توجد لدى السعودية ميزات كثيرة جداً ذات أفضلية اقتصادياً تعزز من نجاحات كبرى متوقعة، منها القرب المكاني، إذ يمكنها بيسر من التصدير عبر خطوط أنابيب لأوروبا والهند، بينما يعتبر نقل الغاز الأميركي صعباً ومكلفاً، وهذا بالضبط ما يميز الغاز القطري الذي تعززت أهميته بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، ولا شك في أن وجود حقل “الجافورة” إلى جوار حقل “الغوار” الذي يعتبر أكبر حقل نفط بالعالم، ويتمتع ببنية تحتية متكاملة وتوافر مصادر ضخ مركزية للماء، وشبكة نقل وتخزين وخدمات لوجستية كلها تخدم إمكان التوسع في إنتاج حقل “الجافورة” من الغاز باستثمارات أقل وبفترة زمنية أقل.

طرق استخراج متقدمة

وتعمل السعودية على تنمية احتياطاتها من الغاز غير التقليدي التي تتطلب طرق استخراج متقدمة على غرار تلك المستخدمة في قطاع الغاز الصخري.

وتتبنى الرياض استراتيجية لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز مكانتها كلاعب رئيس في سوق الغاز الطبيعي على المستوى العالمي.

وتستهدف “أرامكو” زيادة إنتاج الغاز بنسبة 50-60 في المئة بحلول عام 2030، لتلبية الطلب المحلي على الصناعة.

وكانت احتياطات السعودية من النفط والغاز ارتفعت للعام الرابع 0.3 في المئة خلال 2022، لتبلغ 338.4 مليار برميل مكافئ نفطي، مقابل 337.3 مليار برميل مكافئ نفطي بنهاية 2021.

وجاء صعود إجمالي الاحتياطات للنفط والغاز نتيجة زيادة احتياطات الغاز الطبيعي 2.2 في المئة خلال 2022، وهو الارتفاع السنوي الرابع على التوالي، إذ كانت 233.8 تريليون قدم مكعبة قياسية بنهاية 2018، ثم 237.4 تريليون قدم مكعبة قياسية بنهاية 2019، ثم 238.8 تريليون قدم مكعبة قياسية بنهاية 2020.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى