مختارات اقتصادية

درة التاج في إمبراطورية إيلون ماسك في خطر .. هل ولى العصر الذهبي لـ تسلا؟

يبدو أن العصر الذهبي لدرة التاج في إمبراطورية الملياردير الأمريكي الشهير “إيلون ماسك” قد بات من الماضي، فشركة “تسلا” التي كان لها السبق في صناعة السيارات الكهربائية باتت تعاني من تهديد متزايد جراء تقدم منافسيها من شركات السيارات التقليدية التي اقتحمت عالم السيارات الكهربائية لتحرز فيه تقدما سريعا.

 

الدليل على ذلك جاء على لسان أحد عملاء “تسلا” ويدعى “مارك” الذي يقود سيارات من إنتاج الشركة منذ عام 2014، لكن بعد ما يقرب من عقد من الولاء لتسلا، بدأ مارك يفقد ذلك.

 

يقول مارك لموقع بزنس إنسايدر: “أشعر بالغباء لأنني أقود سيارة تسلا جديدة من موديل واي”.

 

 

ضغوط على المبيعات

 

ولشعور “مارك” ما يبرره، ففي عام 2022 رفع “ماسك” أسعار طرازات تسلا الأربعة، مشيرا إلى ارتفاع تكاليف التوريد والتحديث لنظام مساعدة السائق. لذلك عندما تمكن “مارك” في نهاية العام من الحصول على خصم قلص سعر طراز واي الجديد إلى 58 ألفا و490 دولارا من 65 ألفا و990 دولارا، اعتقد أنه أبرم صفقة ناجحة. لكن في 13 يناير من 2023، بعد أكثر من أسبوعين على تسلمه سيارته الجديدة، أعلنت تسلا عن خفض سعر الطراز واي إلى 52 ألفا و990 دولارا بفارق نحو 13 ألف دولار.

 

أدت التخفيضات الكبيرة في الأسعار إلى صدمة بين مجتمع مالكي سيارات “تسلا”. انخفضت قيمة سياراتهم الجديدة بنسبة تصل إلى 20% بين عشية وضحاها. أدى ذلك لشعور العملاء الموالين لـ “تسلا”، والذين تمسكوا بالشركة خلال مصاعب الإنتاج التي واجهتها والعديد من التحقيقات الاتحادية التي خاضتها وحتى خلال حالات خروج عجلة القيادة من مكانها في السيارة، بأنهم قد وصلوا لأقصى حدودهم.

 

تفوقت “تسلا” على القطاع في السنوات الأخيرة، حيث عززت عمليات التسليم بوتيرة سريعة على الرغم من جائحة كورونا واضطرابات سلاسل التوريد، لكنّ محللين يقولون إنها خفضت الأسعار في الأشهر الأخيرة لتعزيز المبيعات التي تعرضت لضغوط جراء ضعف الاقتصاد العالمي وتزايد التهديدات من المنافسين في الصين والولايات المتحدة.

 

كانت رسالة “مارك” إلى الرئيس التنفيذي لتسلا واضحة ومباشرة “إيلون، من فضلك ساعدنا وافعل شيئا”.

 

أمضت “تسلا” العقدين الماضيين في تجاوز التوقعات والتسبب في ثورة بالقطاع، لكن في عام 2023 قامت الشركة بأمر كان لا يمكن تصوره من قبل، حيث أثارت غضب معجبيها. الضجة بين العملاء شديدي الولاء لتسلا مثل مارك، والذين هم أيضا مساهمون في الشركة، أكثر من مجرد شكاوى من العملاء المرتبطين بها بشكل مفرط، بل هي مؤشر على أن الشركة التي اعتمدت لفترة طويلة على سمعة شبه أسطورية كشركة سيارات المستقبل تخسر مواطن قوتها.

 

تتحول “تسلا” من شركة شابة اعتادت على أن تحدث منتجاتها أثرا مدويا في القطاع إلى شركة تشبه إلى حد كبير شركات السيارات التي اعتادت أن تسبب لها اضطرابا.

 

يقول الخبراء إن “تسلا” اعتادت على العمل في غياب منافسة حقيقية وفي بيئة اقتصادية مواتية. أما الآن فسوق السيارات الكهربائية باتت ساحة تغص باللاعبين، و”ماسك” على وشك أن يكشف مدى صعوبة خوض حرب مع بعض العلامات التجارية الأكثر شهرة في العالم.

 

فقدان التميز

 

كانت كل منتجات “تسلا” منذ انطلاقها في عام 2003 عبارة عن تقنيات جديدة. كانت الشركة في طليعة ثورة السيارات الكهربائية، حيث قدمت أول بطارية قادرة على أن تنافس السيارات التي تعمل بالبنزين، وأول بنية تحتية واسعة النطاق للشحن عبر شبكة الشحن الفائق، كما قادت الطريق صوب ابتكارات مثل تحديثات أنظمة التشغيل اللاسلكية وشاشات اللمس العملاقة داخل السيارات والاستغناء عن مفاتيح السيارات. ولكن بعد سنوات من الصعود الصاروخي الذي تفوقت خلاله “تسلا” على جميع التقنيات القديمة للسيارات، بدأت قدرات الشركة في استشراف المستقبل عبر الابتكار في التراجع.

 

باتت السيارات الكهربائية العادية من شركات صناعة السيارات مثل “جنرال موتورز” و”فورد” و”هيونداي” قادرة على منافسة “تسلا”. أصبحت شاشات اللمس الشبيهة بجهاز “الآيباد” الآن أمرا اعتياديا في السيارات الجديدة. بل إن بقية شركات السيارات تلحق بركب التطبيقات وتوجه مليارات الدولارات إلى خصائص جديدة لمواجهة تسلا مثل القيادة بدون استخدام اليدين والبطاريات الأكثر قوة في الأداء.

 

لكن ربما يكون المثل الأكثر وضوحا على ابتكار تسلا الذي لم يحقق النجاح المأمول هو موقعها في عالم تكنولوجيا القيادة الذاتية.

 

وعد ماسك منذ سنوات بتقديم سيارة تسلا بدون سائق، قائلا العام الماضي إن شركته للسيارات الكهربائية ستكون قيمتها “صفر أساسا” إذا لم تمنح الأولوية لتكنولوجيا القيادة الذاتية.

 

كانت تسلا سريعة في تطوير نظام قيادة بدون استخدام اليدين، حيث لا يحتاج السائق إلى لمس عجلة القيادة، ولكن يجب أن يظل منتبها للطريق.

 

لكن المنافسين مثل “جنرال موتورز” و”فورد”أدخلوا بالفعل نظام قيادة مماثل دون استخدام اليدين وتمكنوا من القيام بذلك بدون الانغماس في تحقيقات اتحادية مثلما حدث مع “تسلا”.

 

يقول المراقبون إن المسمار الأخير في نعش طموح ماسك في مجال القيادة الآلية جاء في أوائل فبراير، عندما حصلت “مرسيدس-بنز” على أول اعتماد على الإطلاق للقيادة الآلية من المستوى الثالث، المصممة لتتطلب تدخلا بشريا في الظروف القاسية، على الطرق العامة في الولايات المتحدة.

 

أعقب ذلك انتكاسة أخرى سريعا، إذ استدعت تسلا أكثر من 362 ألفا من سياراتها بسبب مخاوف من أحدث برامجها للقيادة الذاتية يمكن أن يزيد من مخاطر وقوع حوادث.

 

 

المنافسة تهدد التفوق

 

تنافست شركات السيارات مع بعضها على أحدث التقنيات منذ أجهزة الكاسيت الملحقة بالراديو والفرامل المانعة للانغلاق. تقدمت “تسلا” دوما بفارق كبير لكي يستغرق الأمر وقتا أطول حتى يتمكن المنافسون من اللحاق بالركب، لكن الآن بدأت شركات الصناعة العملاقة في التفوق على تسلا.

 

قال “مارتن فرينش” العضو المنتدب لدى شركة الاستشارات “بيريلز” إن المنافسة “بدأت تلتهم حصة تسلا من السوق… إذا كنت مستهلكا، فهذه أخبار رائعة، هناك الكثير من السيارات الكهربائية الجيدة للاختيار بينها”.

لكن “فرينش” يقول إن هذا لا يعني أن “تسلا” فقدت كل نقاط قوتها.

 

وحافظت “تسلا” على تفوقها في التحديثات اللاسلكية الآنية، مما يعني أنه حتى إذا لم يسع المستهلكون إلى شراء الطرازات الأحدث من تسلا المزودة بأجهزة جديدة، فلا يزال بإمكان تسلا الحصول على إيرادات من عملائها مقابل التحديثات. وقال “فرينش”: لا توجد شركة في الوقت الحالي تسلم سيارة ثم بعد ثلاثة أشهر تتقاضى 11 ألف دولار مقابل حزمة تحديثات على سياراتها”.

 

أساليب البيع

 

لم تفقد “تسلا” تفوقها في مجال التقنيات فحسب، لكنها فقدت قبضتها على حداثة الطريقة التي تبيع بها السيارات.

 

قررت الشركة منذ البداية تجنب نموذج الوكالة وبيع سياراتها مباشرة للعملاء مما يمنحها المزيد من التحكم في الأسعار وبالتالي تتفوق على منافسيها القدامى من حيث نسبة الربح لكل سيارة. لكن المنافسين وجدوا طريقة للحفاظ على وكلائهم، الذين يتمتعون بالحماية منذ أمد طويل من خلال شبكة معقدة من قوانين الامتياز التجاري في الولايات المتحدة، والتغلب على “تسلا”.

 

تعمل شركات مثل “فورد” و”أودي” على تعديل استراتيجياتها للمبيعات، كي تستطيع مقارعة أسلوب البيع المباشر المبتكر لتسلا. تملك هذه الشركات شيئا لا يمتلكه “ماسك” وهي شبكات من المراكز على مستوى البلاد، حيث يمكن للعملاء صيانة سياراتها وإصلاحها، في حين لا تزال شبكة تسلا ضعيفة إلى حد ما، حيث يوجد فقط 670 مركزا على مستوى البلاد و1300 وحدة خدمة متنقلة لخدمة قرابة مليوني عميل لتسلا.

 

يمنح هذا الشركات الكبيرة في القطاع الفرصة لاقتطاع ربح وفير من تسلا، بل وإلقاء نظرة متعمقة داخل سياراتها من خلال عمليات الصيانة.

 

أبلغ “مارك رويس” رئيس شركة “جنرال موتورز” المستثمرين أن وكلاء الشركة بدأوا في إصلاح طرازات “تسلا” في عام 2021. تملك “جنرال موتورز” الكثير من الوكالات في جميع ولايات أمريكا الخمسين، مقارنة مع تسلا التي لا تملك مراكز في 15 ولاية.

 

وقال رويس “إنه نشاط جديد، وهذا شيء عظيم”.

 

ماسك

 

يقول محللون أيضا إن “ماسك” تحول من أحد أكبر أصول “تسلا” إلى إحدى أكبر مشكلاتها، ففي الوقت الذي تفقد فيه الشركة مزاياها الوحدة تلو الأخرى، يفقد “ماسك” تركيزه. ففي العام الماضي، أصبح ماسك مهووسا بشكل متزايد بالاستحواذ على “تويتر”. ولتمويل سعيه البالغ قيمته 44 مليار دولار، أنفق “ماسك” معظم العام الماضي في بيع أسهم “تسلا”، بقيمة 22.9 مليار دولار، وراكم ديوناً ضخمة.

 

يقول المستثمرون إن انشغال ماسك الدائم بـ “تويتر” التي يقضي في مقرها بسان فرانسيسكو الكثير من الوقت يشكل خطرا على مستقبل “تسلا” ويعني أن انتباه “ماسك” بات مشتتا بالفعل بعد أن بات يحمل العديد من المسؤوليات.

 

خطط جديدة ولكن

 

كشفت تسلا في الآونة الأخيرة عن خطط لخفض تكاليف التجميع، لكن محللين يقولون إن تلك الخطط لم تثر إعجاب المستثمرين الذين كانوا يطمحون لأن تكشف الشركة عن سيارة ميسورة التكلفة، مما أصابهم بخيبة أمل كبيرة.

 

وقدم ماسك وفريقه في تسلا عرضا تقديميا استمر قرابة أربع ساعات بشأن الخطط الرئيسية للشركة، لكن أبلغ رد فعل كان في انخفاض السهم نحو 7% في اليوم التالي للعرض.

 

 

كان من المتوقع أن يضع ماسك خطة لتصنيع سيارة كهربائية بأسعار معقولة مما كان سيؤدي إلى زيادة جاذبية العلامة التجارية لتسلا ودرء منافسيها.

 

قدم العرض مع ماسك مجموعة من كبار المهندسين بما في ذلك رئيس الإنتاج العالمي الجديد “توم تشو” في محاولة من تسلا لإظهار تمكن وقدرة فريقها التنفيذي بعيدا عن ماسك الوجه الأشهر للشركة.

 

لكن العرض خلا من تفاصيل حول توقيتات إطلاق سيارات الجيل التالي والطرز الجديدة التي ستنتجها الشركة.

 

وضع ماسك وأكثر من عشرة من المسؤولين التنفيذيين في شركته خططا جديدة لخفض تكاليف التجميع بمقدار النصف والاستثمار في مصنع جديد بالمكسيك وناقشوا ابتكارات الشركة في إدارة عملياتها في “يوم المستثمرين” مع تسلا.

 

لكن الفعالية التي كشف فيها ماسك عما سماه “الخطة الرئيسية رقم 3” للشركة، كانت محدودة التفاصيل بشأن الجدول الزمني للبنود الرئيسية وأي منتجات جديدة من تسلا.

 

وقال “جيدو بيتريللي” مؤسس شركة “ميرلين انفستور” إن “أكبر مفاجأة ظهرت في يوم المستثمرين الخاص بتسلا هو أنه لم تكن هناك مفاجأة”.

 

وارتفع سهم تسلا سريعا منذ بداية العام الجاري بعد أن فقد نحو ثلثي قيمته في عام 2022.

 

وقال “روس مولد” مدير الاستثمار لدى “إيه.جيه بيل” إن الأسواق “كانت مهيأة لإعلان كبير، ربما طراز جديد بتكلفة معقولة”.

 

وقال “توني ساكوناجي” المحلل لدى “برنشتاين” إن خطة ماسك كانت بمثابة رسالة أمل لإشعال الحماس بمعناه الواسع أكثر من كونها خارطة طريق لشركة تسلا” واصفا الفعالية بأنها كانت “مفككة وتقنية إلى حد ما”.

 

كانت فعاليات تسلا عادة ما تسبب ضجة على الإنترنت في الماضي، سواء حين افتتحت الشركة مصنعها في برلين في 2022، أو فعالية أقامتها في الصين في 2020 والتي انتشرت وأعيد تداول مقطعها المصور بشكل غير مسبوق على الإنترنت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى