اقتصاد دولي

10 أعوام فاصلة في تاريخ الديون الأميركية

بعيداً من أزمات التضخم وسلاسل الإمداد والتوريد والحرب الروسية في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة، وزيادات مستمرة بأسعار الطاقة، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الأميركي مواجهة حتمية مع 13 خطراً بسبب أزمة الديون الضخمة.

البيانات الرسمية تشير إلى ارتفاع حجم الديون الأميركية بنسبة 95.7 في المئة خلال الـ10 أعوام الأخيرة، بمتوسط زيادة سنوية تبلغ نحو 9.57 في المئة، إذ قفز حجم الدين الأميركي من مستوى 16.07 تريليون دولار في بداية عام 2013 إلى نحو 31.46 تريليون دولار في الوقت الحالي، بمتوسط زيادة سنوية تبلغ نحو 1.539 تريليون دولار.

وبعد وصول الدين الأميركي إلى هذا المستوى الضخم، لجأت وزارة الخزانة الأميركية إلى تطبيق إجراءات استثنائية تمكنها من تجنب التخلف عن سداد الديون وتمويل الموازنة حتى يونيو (حزيران) 2023، لكن الخلافات القائمة بين الجمهوريين والديمقراطيين وسياسة “حافة الهوية” تزيد من مخاوف تأثر الاقتصاد الأميركي، سواء قرر الكونغرس رفع أو تعليق سقف الديون الأميركية.

3 أسباب رئيسة وراء الأزمة

وعلى رغم تكرار أزمة تجاوز سقف الدين خلال السنوات الماضية، لكن الأزمة الحالية تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة، أولها زيادة الإنفاق العام، إذ تسببت إجراءات التحفيز النقدي خلال أزمة كورونا، في ارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي، والعجز المالي، مما أسهم في ارتفاع مستوى الدين بنسبة 36 في المئة خلال الفترة من 2019 حتى 2022، واستمر الدين في الارتفاع ليصل إلى السقف البالغ 31.4 تريليون دولار بداية العام الحالي. كما لجأت وزارة الخزانة الأميركية أيضاً إلى تطبيق إجراءات استثنائية تسمح لها بتجنب التخلف عن تمويل الموازنة وإعادة تمويل الديون حتى منتصف 2023، وتتضمن هذه الإجراءات تعليق الاستثمارات في صندوق التقاعد والعجز في الخدمة، وصندوق الإعانات الصحية للمتقاعدين من الخدمة البريدية، إلى جانب تعليق الاستثمار في صندوق نظام التقاعد الفيدرالي للموظفين.

وبخلاف ذلك، يشهد الكونغرس صراعاً بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين يصرون على مبدأ زيادة الديون بشرط خفض النفقات لاحتواء عجز الميزانية الفيدرالية، بينما يصر الرئيس الأميركي جو بايدن والحزب الديمقراطي على ضرورة رفع سقف الدين دون شروط، محذراً الجمهوريين من سياسة حافة الهاوية حول رفع سقف الدين.

تراجع التوظيف وخفض التصنيف الائتماني

فيما يتعلق بتداعيات الأزمة، فإنها تبدأ بتعزيز احتمالات الركود الاقتصادي، إذ تشير تقديرات وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني إلى أن “الناتج المحلي الإجمالي الأميركي قد ينكمش بنسبة أربعة في المئة تقريباً في حال تفاقم الأزمة، والتعثر في تمويل العجز الحكومي”، وكذلك تزامنت الأزمة مع التوقعات المتشائمة من قبل المؤسسات الدولية في شأن أداء الاقتصاد الأميركي، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي نموه بنسبة 1.4 في المئة فقط خلال عام 2023.

الخطر الثاني يتعلق بتراجع ثقة المستهلكين والشركات، فمن المتوقع أن تؤدي الأزمة الحالية إلى التأثير سلباً في معنويات المستهلكين الأميركيين، وإلى إثارة المخاوف لدى شركات الأعمال، مما يضر بقرارتها في شأن الاستثمار والتوظيف، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الفائدة، والذي يزيد من كلفة الائتمان.

أما الخطر الثالث فيتعلق بانخفاض معدلات التوظيف، وقد توقعت وكالة “موديز” أن تؤدي أزمة التعثر إلى فقدان الاقتصاد الأميركي ما يقرب من ستة ملايين وظيفة، وارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من سبعة في المئة، وهو ما يتزامن مع موجات تسريح كبيرة للعمالة من شركات التكنولوجيا والخدمات المالية الأميركية خلال الفترات الماضية.

ويتعلق الخطر الرابع باحتمالية خفض التصنيف الائتماني، حيث من المرجح أن يتراجع التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية نتيجة للأزمة الراهنة، على غرار ما حدث إبان أزمة سقف الدين خلال عام 2011، عندما خفضت وكالة “ستاندرد أند بورز” التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، في سابقة كانت تاريخية.

بينما يرتبط الخطر الخامس بالتخلف عن سداد الالتزامات، إذ إنه بمجرد استنفاد وزارة الخزانة الأميركية لجميع الإجراءات الاستثنائية دون التوصل إلى اتفاق في شأن سقف الدين، فمن المتوقع أن تتخلف الحكومة الأميركية موقتاً عن سداد بعض التزاماتها المالية، بما في ذلك مدفوعات الضمان الاجتماعي ورواتب الموظفين المدنيين الفيدراليين، وغيرها، وقد ينتهي بها الأمر لأن تصبح غير قادرة على سداد ديونها.

وترتبط الأزمة أيضاً بمخاطر إغلاق جزئي للحكومة، خصوصاً مع حدوث التخلف عن سداد الديون قد تشهد الولايات المتحدة حالة من الإغلاق الجزئي للحكومة، إذ قد تتوقف بعض الوكالات الحكومية عن العمل أو يتم تقليص فترات العمل، لأنها لا تحصل على الأموال التي تحتاج إليها.

في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 2018 إلى 25 يناير (كانون الثاني) 2019، لجأت الحكومة الأميركية إلى الإغلاق في أطول فترة عبر تاريخها بعد أن أغلقت لمدة 35 يوماً، أما الأخطر في هذا الملف ما يتعلق بخفض الإنفاق الحكومي، ففي حال استمرار الأزمة الراهنة، ستضطر الولايات المتحدة إلى خفض الإنفاق الحكومي بشكل كبير، وقد يصل هذا الانخفاض إلى نسبة أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

أزمة تخارج رؤوس الأموال وخسائر الأسهم

فيما يتعلق الخطر الثامن بتخارج رؤوس الأموال وتراجع أسواق الأسهم، فقد تدفع مخاطر التخلف عن السداد بعض المستثمرين لتحويل وجهاتهم الاستثمارية من أسواق الأوراق المالية الأميركية إلى الأسهم الدولية وسندات الحكومات الأجنبية الأخرى.

وبحسب تقديرات بنك “غولدمان ساكس” فقد تراجع مؤشر “ستاندرد أند بوزر 500” بنحو 15 في المئة خلال أزمة سقف الدين عام 2011، فيما تتوقع وكالة “موديز” أن أزمة سقف الدين واحتمالات التخلف عن السداد قد يترتب عليها تراجع أسعار الأسهم بنسبة الثلث تقريباً، بينما يرتبط الخطر التاسع بارتفاع عوائد سندات الخزانة، وبالفعل زادت عوائد سندات الخزانة المستحقة في النصف الثاني من العام الحالي، وهو ما ربطه بعض الاقتصاديين بارتفاع مخاطر التخلف عن السداد، إذ يشير محللو مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” إلى أن عوائد أذون وسندات الخزانة الأميركية المستحقة هذا الصيف قد ترتفع في الأشهر المقبلة للسبب نفسه.

أما الخطر العاشر فيتعلق بارتفاع أسعار الفائدة على سندات الخزانة، إذ إن الفشل في دفع المستحقات لحاملي السندات الحكومية الأميركية في حال عدم الاتفاق على رفع سقف الدين أو تعليقه، سيجعلها خياراً أقل استحساناً بالنسبة إلى المستثمرين، مما سيجبر الحكومة على دفع مزيد من الفوائد لبيعها، بينما يتعلق الخطر الـ11 بارتفاع كلفة التأمين ضد مخاطر التخلف عن السداد، إذ من المتوقع أن تتسبب الأزمة في ارتفاع كلفة التأمين ضد مخاطر التخلف عن السداد على سندات الخزانة الأميركية. وخلال عام 2011 تسببت سياسة حافة الهاوية حول رفع سقف الدين في ارتفاع كلفة التأمين ضد مخاطر التخلف عن السداد لتصل إلى 80 نقطة أساس على سندات الخزانة لمدة عام واحد و65 نقطة أساس على سندات الخزانة لمدة خمس سنوات، في حين أنها في الأوقات العادية تكون أقل من خمس نقاط أساس و30 نقطة أساس لكليهما على التوالي.

وفي الوقت ذاته من المرجح أن يكون هناك تداعيات عالمية تتمثل في تهديد مكانة الدولار عالمياً، وقد يؤدي تفاقم الأزمة إلى هز الثقة في السياسات الاقتصادية الأميركية، ومن ثم تقويض قوة الدولار ومكانته في النظام المالي العالمي، مما يدعم خطط تدويل اليوان التي تقودها الصين، بينما يتمثل الخطر الـ13 في زعزعة استقرار الأسواق المالية العالمية، ففي حال تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون، فإن سندات الخزانة الأميركية ستفقد ميزتها كأحد الأصول الخالية من المخاطر، مما يضعف نسبياً إقبال المستثمرين عليها. وفي الوقت نفسه تشكل تلك الأزمة خطراً على استقرار الأسواق المالية العالمية.

3 خيارات للخروج من الأزمة

حتى الآن، لا يوجد أمام السلطات الأميركية خيارات مفتوحة أمام حل الأزمة الحالية، وإن كانت بعض المؤسسات ترجح بعض الإجراءات المحدودة لحين توصل الحزبين إلى قرار في شأن سقف الديون. وتتضمن هذه الإجراءات مبيعات الأصول، إذ إنه من المرجح قيام وزارة الخزانة ببيع بعض الممتلكات والأصول بما في ذلك الذهب، بهدف دفع وسداد الاستحقاقات اللازمة، ولكن هذا المقترح قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق، وتقليل الأصول الفيدرالية، فيما يتمثل الحل الثاني في إمكانية أن يقوم بنك التمويل الفيدرالي بإصدار ما يصل إلى 15 مليار دولار من الديون نيابة عن الوكالات الحكومية الأخرى، وهي لا تخضع لحد الدين، ولكن المبلغ الذي سيتم الحصول عليه يعد ضئيلاً، بينما يتمثل الخيار الثالث والأخير في رفع سقف الدين، وقد تتوقع وكالات التصنيف الائتماني أن يتوصل الكونغرس إلى اتفاق في شأن رفع سقف الدين في اللحظات الأخيرة قبل أن تنجرف وزارة الخزانة إلى التخلف عن سداد الديون في نهاية مشابهة لمعظم أزمات سقف الدين السابقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى