منوعات اقتصادية

سوق الأسهم الأمريكية .. توقعات متباينة للأداء والضبابية تهيمن

يبدو أننا بصدد عام آخر من الضبابية إزاء توقعات أداء سوق الأسهم الأمريكية، فبعد أن أنهت السوق العام منخفضة نحو 20 بالمائة العام الماضي، في أسوأ أداء منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وسط توقعات باستمرار الأداء السيئ في 2023، فوجئ المتعاملون بما لم يكن متوقعا.
ارتفعت البورصة في يناير، حيث ربح مؤشر داو جونز 3 بالمائة تقريبا، وارتفع المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» 6 بالمئة دفعة واحدة فيما قفز المؤشر «ناسداك» 11 بالمائة مسجلا أفضل أداء منذ يوليو. بداية جديدة .. ربما:- فسر البعض ذلك بتأثير العام الجديد فحسب، فمثلما يستغل البعض العام الجديد كبداية جديدة، كذلك تفعل سوق المال. لكن هناك من يشكك في هذا ويقول إن الثقة التي بدأت بها الأسهم العام قد تختفي مع مرور الوقت. في الوقت ذاته يخشى المتعاملون من أن العوامل الأساسية لم تتغير كثيرا بشأن الاقتصاد الأمريكي، وعلى الرغم من ذلك يشعر البعض بمزيد من التفاؤل بشأن احتمال أن يتجنب الاقتصاد ركودا مع تبدد التضخم. وتباطؤ التضخم يدعم التكهنات بأن مجلس الاحتياطي يقترب من نهاية الزيادات في أسعار الفائدة. يرى مستثمرون أن الاقتصاد الأمريكي قد يصل إلى حالة مثالية ينمو فيها بشكل مستقر مما يحول دون حدوث ركود، لكن النمو لن يكون قويا بما يكفي لارتفاع التضخم كثيرا. ويدللون على ذلك بنمو الاقتصاد أكثر من المتوقع في الربع الأخير من العام الماضي وهو ما ساهم قليلا في تبديد مخاوف الركود التي سادت في 2022، ويشير المستثمرون المراهنون على الصعود إلى مؤشرات على الارتفاع في كل شيء بدءا من العوامل التاريخية وحتى المرونة المفاجئة للمستهلكين للقول بأن سيناريو «الهبوط الناعم» للاقتصاد وشيك.
وقال ستيفن إينيس الشريك الإداري لدى «إس.بي.آي لإدارة الأصول» إن المستثمرين «يضعون على نحو متزايد في الاعتبار… مزيجا من بلوغ التضخم مستوى الذروة وكذلك أسعار الفائدة، وركودا هامشيا، ودفعة للطلب العالمي من إعادة فتح الاقتصاد الصيني، وتبديد مخاوف إمدادات الطاقة، وتقلبات أقل بشكل عام». وحدد فريق من الخبراء الاستراتيجيين لدى بنك «آي.إن.جي» التصور المثالي بأنه «حين يمكن أن ينخفض التضخم، لكن لا يمكن لمعدل البطالة أن يرتفع». من جانبه وضع «تشارلي مكيليجوت» المحلل الاستراتيجي المعني بمشتقات الأسهم لدى بنك الاستثمار «نومورا» تعريفا لتلك الحالة بأنها «تراجع التضخم، لكن في ظل نمو يتمتع بالمتانة». يقول خبراء إن لهذا التصور ما يدعمه، فمؤشر أسعار المستهلكين أظهر تراجع التضخم على مدى ستة أشهر من ذروته عند أعلى مستوى في 41 عاما خلال الصيف. يتعلل أيضا الخبراء بأن البيانات تُظهر أن سوق العمل في الولايات المتحدة ما زالت قوية على الرغم من الزيادات في أسعار الفائدة التي نفذها مجلس الاحتياطي الاتحادي بمعدل هو الأكثر قوة منذ الثمانينات. وكشف تقرير وزارة العمل الأمريكية عن نمو الوظائف على نحو كبير في يناير مع استمرار قوة سوق العمل، إذ زادت الوظائف غير الزراعية 517 ألفا الشهر الماضي فيما كان الخبراء يتوقعون نموا بواقع 158 ألف وظيفة
ومع ذلك، أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه يخطط للمزيد من رفع أسعار الفائدة، وقال «جيروم باول» إنه لا يتوقع خفض لأسعار الفائدة قبل نهاية العام وهو أمر كانت السوق تأمل في أن يتحقق. وقال «ستيف سوسنيك» كبير الخبراء لدى «إنتراكتيف بروكرز» إن الأسوأ في «العوامل المعاكسة الناجمة عن السياسة النقدية بات وراءنا… لكن هذا لا يعني أن تلك العوامل قد زالت بعد». تفاؤل بسبب التاريخ:- يعزو محللون التفاؤل إزاء أداء السوق لعوامل تاريخية، إذ يقولون إنه لم تشهد السوق سوى انخفاضين سنويين على التوالي منذ عام 1950، وهما خلال فترة الركود في أوائل السبعينات وبعد انفجار فقاعة الإنترنت في بداية القرن والتي استمرت ثلاث سنوات. لكنهم لا يتوقعون هذا في العام الجاري على الأقل وفقا لتصورات أساسية لعدد كبير من خبراء وول ستريت. ويقول الخبراء إن تراجع السوق في عام كامل عادة ما يليه انتعاش. ووفقا لبيانات منذ عام 1950 جمعتها مجموعة «كارسون» للأبحاث فبعد أن نزل المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» على مدى 12 شهرا، فإنه ارتفع بعد ذلك بمعدل 15% في الاثني عشر شهرا التالية.
كذلك تشير البيانات إلى أنه عندما ارتفع المؤشر الأمريكي الرئيسي في يناير، فإنه أنهى العام أعلى بنسبة 86 بالمائة من مستواه في ذلك الشهر. وقال «ريان ديتريك» كبير استراتيجي السوق لدى مجموعة «كارسون» إنه في ظل ما شهده العام الماضي من أنباء سيئة، فإن الأسواق وضعت تلك الأنباء السيئة بالفعل في اعتبارات التسعير. فضلا عن ذلك، يقول «ديتريك» إنه يعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تتجنب الركود ما يشكل «حافزا إيجابيا» للأسهم ويضيف «نرى خطوات في الاتجاه الصحيح بشأن التضخم، هذا مفتاح اللغز بأكمله». ويقول «إد كلاريسون» كبير المحللين لدى «نيد ديفيس للأبحاث» إنه إذا انزلقت الولايات المتحدة صوب الركود واستمر لفصلين، «فإنه بحلول الوقت الذي نصل فيه إلى النصف الثاني من العام، يجب أن تكون الأسواق وضعت التعافي في الاعتبار… إذا استمرت بيانات التضخم المواتية وإذا كانت أرباح الشركات جيدة جدا، فيمكننا أن نرى مبررا لأن تغطي صناديق التحوط مراكزها المدينة، وهو ما يمكن أن يمثل دافعا طيبا للصعود بأن يستمر». انهيار في النصف الثاني:- يقول مراقبون إنه حتى إذا ارتفعت السوق في النصف الأول من العام فإن ذلك لا يحول حدوث انهيار في النصف الثاني. يحذر «بينكي تشادا» كبير المحللين لدى «دويتشه بنك» من أن الركود في الولايات المتحدة لم يتم تجنبه، لكنه تأجل فقط، ويقول: «المدخرات الفائضة في ميزانيات الأفراد والشركات بجانب الآثار السلبية لنقص العمالة الأحدث أدت إلى تأجيل وليس منع الانكماش».
وقال «تشادا» إن 26 من بين 34 مؤشرا مبكرا للركود الاقتصادي تومض الآن بإشارات الخطر، أي أكثر من ضعف قراءة المؤشرات منذ ستة أشهر فقط. ويشير هذا إلى أننا نقترب من هذا الركود المتأخر، والذي يعتقد تشادا أنه قد يظهر في الربع الثالث على الرغم من التوقعات بصعود السوق في الربع الأول.
يقول المحللون إن هذا لا يحمل الكثير من التناقض بالنظر إلى العوامل التي تحفز السوق على الصعود حالا، مثل تباطؤ التضخم، الذي يمكن أن يتحول سريعا من عامل مساعد إلى عامل معاكس مما قد يفجر المزيد من المشكلات حتى إذا تجنبت أمريكا الركود. يتبنى وجهة النظر تلك «سوميت هاندا» العضو المنتدب لدى «بينينجتون بارتنرز» إذ يحذر من أنه قبل نهاية العام، سيكون الانكماش مصدر القلق الرئيسي للسوق. وفي حين أن هذا قد يؤدي في النهاية إلى مرحلة تضخمية مثل تلك التي حدثت في الفترة بين السبعينات والثمانينات، فمن المرجح أن يتسبب هذا في تراجع في النصف الثاني من العام حين يبدأ المستهلكون والشركات والحكومات في الشعور بأزمة الديون وسط معدلات فائدة أعلى. يبدو هذا في النهاية متسقا مع قدرة السوق على الارتفاع خلال الأشهر القليلة المقبلة لأن البيانات التي تدعم الصعود قد تكون مؤقتة أكثر من كونها طويلة الأمد. في الحقيقة، يقول «باري بانيستر» المحلل الاستراتيجي لدى «ستيفل ماركت» إن القضية الأساسية للعقد الحالي قد تكون ضعف عوائد الأسهم وليس ضعف الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. ويتوقع أن يرتفع المؤشر «ستاندرد آند بورز» على المدى القصير، لكنه يعتقد أن بلوغ المؤشر ذروته في منتصف العام يمكن أن يتبعها هبوط حاد وسريع متأثرا بعوامل معاكسة جيوسياسية ناجمة عن الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

 

تباين في التوقيتات

 

يتبنى بنك الاستثمار «جيه.بي مورجان» نظرة مماثلة لكن متباينة، إذ يتوقع أن ينخفض المؤشر «ستاندرد آند بورز» في النصف الأول من العام الجاري لأدنى مستوياته المسجلة في 2022، حيث يتجه البنك الفيدرالي لتشديد السياسة النقدية بشكل زائد في ظل ضعف العوامل الأساسية للاقتصاد.

 

لكن «دوبرافكو لاكوس» الرئيس العالمي لأبحاث الأسهم لدى البنك يقول إن حدوث عمليات البيع هذه بالإضافة إلى تراجع التضخم وارتفاع معدل البطالة وتراجع ثقة الشركات يمكن أن يكون كافيا لبنك الاحتياطي الفيدرالي كي يغير اتجاهه مما يدفع مؤشر «ستاندرد آند بورز» إلى مستوى 4200 بنهاية العام.

 

ويقول البنك إن الاتجاهين الصعودي والهبوطي في هذا التصور يعتمدان إلى حد كبير على عمق وطول فترة الركود وسرعة رد الفعل المضاد للبنك المركزي الأمريكي، فيما يتوقع أن تظل تقلبات السوق مرتفعة.

 

من جانبه يقول بنك الاستثمار» مورجان ستانلي» إنه يجب على المستثمرين الاستعداد لانخفاض أكبر من العام الماضي لمؤشر «ستاندرد آند بورز» قد يصل إلى 22%.

 

يبرر خبراء مورجان ستانلي ذلك بالقول إن سوق الأسهم عرضة «لأرباح ضعيفة للشركات والتزام البنك الاحتياطي القوي بمحاربة التضخم إلى حد كبير من خلال رفع الفائدة». ويتوقع المستثمرون أن يرفع البنك أسعار الفائدة حتى مايو لتصل إلى 5.25% ثم يبدأ في خفضها في وقت لاحق من العام.

 

ويقول «مايكل ويلسون» كبير الاستراتيجيين المعنيين بالأسهم الأمريكية لدى «مورجان ستانلي» إنه حتى إذا تراجع التضخم فإن هذا قد يحمل بعض التأثير السلبي. ويضيف «تداعيات انخفاض الأسعار على هوامش الربح من المرجح أن تفوق أي منفعة من الحماس المتصور الذي يحلم به مستثمرو الأسهم تجاه ميل بنك الاحتياطي صوب التيسير النقدي في وقت لاحق من العام الجاري».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى