اقتصاد دولي

كم يحتاج بنك إنجلترا من أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم؟

بينما جاء قرار بنك إنجلترا المركزي، برفع أسعار الفائدة نهاية يونيو (حزيران) الماضي، للمرة الـ13 على التوالي، بمقدار نصف نقطة مئوية مفاجئاً للأسواق، لا يزال يعتقد أن السياسة النقدية في المملكة المتحدة في حاجة إلى مزيد من رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم، الذي ظل عالقاً في مايو (أيار) الماضي عند 8.7 في المئة.

صوتت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي البريطاني في اجتماعها الأخير، على رفع سعر الفائدة من 4.5 في المئة إلى خمسة في المئة في أعلى مستوى للفائدة منذ عام 2008 وأعلى معدل رفع لأسعار الفائدة منذ فبراير (شباط) الماضي، بموافقة سبعة من أعضاء اللجنة مقابل اعتراض اثنين.

لكن على رغم ذلك، يبدو أن التضخم المستشري في البلاد يجعل البنك المركزي بعيداً من السيطرة عليه، إذ يحتاج في الأقل إلى زيادة أسعار الفائدة 1.5 نقطة مئوية، كما يعتقد محللو بنك الاستثمار البريطاني “شرودرز كابيتال”.

يتوقع “شرودرز كابيتال” أن تصل أسعار الفائدة إلى ذروتها عند 6.5 في المئة بنهاية عام 2023، بزيادة 1.5 نقطة مئوية كاملة، لكن هذا المستوى المتوقع كفيل بدفع اقتصاد المملكة المتحدة إلى الركود، كما يقول اقتصادي البنك، آزاد زنكنه، في مذكرة حديثة، إذ يشير إلى احتمال قيام لجنة السياسة النقدية برفع أسعار الفائدة 50 نقطة أساس في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) المقبلين، قبل أن تبطئ وتيرة الزيادة إلى 25 نقطة أساس في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) المقبلين.

حتى وقت قريب، كان لدى محللي “شرودرز كابيتال” اعتقاد أن بنك إنجلترا سيمتنع عن مزيد من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة في المملكة المتحدة، كما سبق أن ذكروا في تقرير وجهة النظر الاقتصادية والاستراتيجية للربع الثاني 2023، لكن يبدو أن الحقائق تغيرت الآن، في ضوء ما شهدته الأسابيع القليلة الماضية من صدور بيانات لا تعبر بما يكفي عن السيطرة على التضخم.

ربما أكثر من أي بنك مركزي آخر من الاقتصادات المتقدمة، يبدو أن بنك إنجلترا مصمم على مسار إعطاء الأولوية لمكافحة التضخم على دفع وتيرة النمو الاقتصادي، وأصبح من الواضح بشكل متزايد أن المقايضة لترويض التضخم من المرجح أن تتحول لتصبح ركوداً، كما يقول آزاد زنكنه. ويضيف “لا يزال المستوى الحالي للناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة أقل مما كان عليه في سبتمبر 2022، وهكذا في حين تجنبت البلاد ركوداً تقنياً (ربعين متتاليين من الانكماش)، فإن البيئة بالفعل في حالة ركود إلى حد ما”.

توقعات بركود اقتصادي

لكن الركود الذي يتوقعه آزاد زنكنه، ربما لن يحدث قبل الربع الرابع من العام الحالي والربع الثاني من العام المقبل، مع انخفاض إجمالي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6 في المئة، مشيراً إلى أن التضخم سيكون أعلى مما توقعه بنك إنجلترا، وهذا لأن المملكة المتحدة تعاني مجموعة من مشكلات الطاقة الأوروبية وضيق النمط الأميركي في أسواق العمل التي تفاقمت بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

في ما يتعلق بالأخير، يضيف آزاد زنكنه، أن العقبات المتزايدة أمام التوظيف من الخارج تعني أن الشركات تكافح لملء الوظائف بموظفين ذوي مهارات مناسبة.

رد الفعل الفوري للسوق بعد قرار سعر الفائدة، الأسبوع الماضي، يشير إلى اعتقاد أكبر من جانب المستثمرين بأن بنك إنجلترا سيفعل ما هو مطلوب لترويض التضخم، في إشارة إلى عزمه زيادة أسعار الفائدة مجدداً الفترة المقبلة.

انخفضت عائدات السندات طويلة الأجل في البداية بعد إعلان زيادة أسعار الفائدة الأخيرة، مما أوقف عمليات البيع التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، وأدت عمليات البيع هذه إلى عودة معدلات الرهن العقاري الثابتة إلى المستويات التي شوهدت لآخر مرة خلال أزمة “الميزانية المصغرة” في الخريف الماضي.

الافتقاد إلى الصدقية

يقول متخصص “شرودرز كابيتال”، “قبل أقل من شهر شعرنا أن بنك إنجلترا سيستخدم توقعاته في شأن انخفاض التضخم لتبرير التوقف الموقت في الزيادات بحلول الخريف ثم التخفيض في أوائل عام 2024، ولكن بشكل حاسم، أكد لنا ارتفاع سعر الفائدة الأسبوع الماضي أن بنك إنجلترا يفتقر إلى الصدقية لتبني نهج الانتظار والترقب الذي اتخذه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الذي أوقف رفع أسعار الفائدة موقتاً هذا الشهر”.

تتفق رئيسة تحليل السوق في “RBC Brewin Dolphin”، جانيت موي، مع ما ذهب إليه زنكنه في شأن ضعف قدرة بنك إنجلترا المركزي على التنبؤ، وتقول إن هذه القدرة تعرضت لانتقادات واسعة النطاق، وإن كان العدد الكبير من المتغيرات الاقتصادية والسوقية التي تتفاعل في عالم مترابط بشكل متزايد يجعل من الصعب للغاية وضع تنبؤات دقيقة.

أضافت في مذكرة بحثية “لقد تلقى بنك إنجلترا ضغطاً وشكوكاً متزايدة حول قدرته على تخفيض التضخم والتنبؤ به… سيشهد حاملو الرهن العقاري ذوو المعدل العائم زيادة فورية في مدفوعات الرهن العقاري الخاصة بهم بينما سيواجه حاملو الرهن العقاري ذوو المعدل الثابت صدمة عندما يأتون لإعادة التمويل”.

تقترب جانيت موي من توقعات زنكنه في شأن مسار الفائدة المتوقع الفترة المقبلة وسقوط اقتصاد المملكة المتحدة في دائرة الركود، فتقول “تقوم الأسواق بتسعير معدل الذروة بنسبة ستة في المئة، لذا من المحتمل أن تكون هناك زيادة أخرى في الأسعار بنسبة واحد في المئة قادمة. إن احتمال حدوث ركود في المملكة المتحدة عند هذا المستوى من المعدل مرتفع للغاية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى