اقتصاد دولي

كيف استطاعت الهند تحويل بوصلة المستثمرين إليها؟

تردد اسم الهند كثيراً في الآونة الأخيرة كبديل للتنين الصيني في ظل رغبة الغرب في تحويل بوصلة استثماراته مع تصاعد التوترات الجيوسياسية الأخيرة مع الصين.
فرصة الهند أصبحت أفضل في ظل امتلاكها لكتلة سكنية ضخمة تبلغ 1.4 مليار نسمة، تعززها التحولات الجيوسياسية الأخيرة، وتطلع قادة الغرب إلى توسيع نطاق التعاون الاقتصادي مع دول أخرى بعيداً عن الصين.
وتمثل زيارة الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» تيم كوك إلى الهند في وقت سابق من هذا الشهر لافتتاح أول متجر فعلي للشركة، مثالاً على الاهتمام المتزايد الذي تبديه الشركات والحكومات في التعامل مع الهند.
وبحسب حسابات الأمم المتحدة، ستتفوق الهند على الصين لتصبح أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان في نهاية هذا الأسبوع، في علامة بارزة أخرى ترسخ صورتها المتنامية كمحبوبة للاقتصاد العالمي.
الاتفاقيات التجارية :- قال بارثا سين الأستاذ الفخري في كلية دلهي للاقتصاد، «حتى وقت قريب، كان العديد من البلدان والشركات تضع كل بيضها في سلة الصين، لكن مع استمرار التوترات بين الغرب وبكين، ظهر تحرك للتنويع بعيداً، والهند تناسبه تماماً».
وفي محاولة لتعزيز القطاع الصناعي ورفع الصادرات، أبرمت الحكومة الهندية اتفاقيات تجارة حرة مع أستراليا والإمارات وموريشيوس منذ عام 2021، وهي خطوة لقيت ترحيباً حاراً في جميع أنحاء العالم، كما أنها تتفاوض بشأن صفقات مع أوروبا وبريطانيا وكندا. واتخذت الولايات المتحدة والهند خطوات في الأشهر الأخيرة لتعزيز العلاقات بينهما، لا سيما في مجال الدفاع والتكنولوجيا، في محاولة لمواجهة صعود الصين كقوة تزداد حزماً. وفي يناير كانون الثاني، أطلق البيت الأبيض شراكة مع الهند في مجالات الذكاء الاصطناعي والمعدات العسكرية والرقائق الإلكترونية، كما اشترت شركة «طيران الهند» أكثر من 200 طائرة من «بوينج» في ثالث أكبر عملية بيع لشركة طائرات أميركية على الإطلاق.
نمو النشاط التصنيعي:- كان التصنيع يمثل أقل من 15 في المئة من الاقتصاد أو العمالة في الهند اعتباراً من عام 2021، وهي صغيرة نسبياً وفقاً للمعايير العالمية، كما أشار شاه المحلل لدى «كابيتال إيكونوميكس». ولكن لحسن الحظ، برزت حاجة الهند إلى المزيد من خطوط التجميع في الوقت الذي تبحث فيه الشركات عن مراكز إنتاج جديدة. ووسعت «أبل» إنتاجها بشكل كبير في الهند بعد معاناتها من عقبات سلسلة التوريد في الصين القارية، وفي الأسبوع الماضي، تعهد كوك خلال زيارته بزيادة الاستثمار في جميع أنحاء البلاد. وقال ثاماشي دي سيلفا الخبير الاقتصادي المساعد لدى «كابيتال إيكونوميكس»، «زيادة إنتاج (أبل) والاستثمار في الهند قد زادا بالتأكيد الآمال في تشكيل نظام إلكترونيات بيئي في البلاد وتشجيع الشركات متعددة الجنسيات الأخرى على خطوة مماثلة». وبالفعل، بعد أيام قليلة من رحلة كوك، أنشأت سلسلة المطاعم البريطانية «بريت إيه مانجر» أول منفذ لها في العاصمة التجارية مومباي، ساعية لجذب اهتمام الطبقة المتوسطة المتنامية في البلاد.
معجزة اقتصادية ولكن.. وبعيداً عن الجغرافيا السياسية، تجذب الأساسيات الاقتصادية والديموغرافية للهند اهتمام المستثمرين، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتفوق أداء الدولة الواقعة في جنوب آسيا على جميع الاقتصادات الناشئة والمتقدمة الرئيسية هذا العام، محققة نمو بنسبة 5.9 في المئة. وبالمقارنة، توقع النقد الدولي أن تشهد اقتصادات ألمانيا والمملكة المتحدة ركوداً في 2023، بينما ستنمو الولايات المتحدة بنسبة 1.6 في المئة فقط. وإذا تمكنت الهند من الحفاظ على زخمها، فستتفوق على ألمانيا باعتبارها رابع أكبر اقتصاد في العالم في عام 2026، وتطرد اليابان من المركز الثالث في عام 2032، وفقاً لتحليل أجراه مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال «سي إي بي آر». وقال كوشيك باسو أستاذ الاقتصاد بجامعة كورنيل، «إذا نظرت إلى البيانات الإجمالية (نمو الناتج المحلي الإجمالي، نمو الدخل القومي بأكمله)، تجد أداء الهند جيداً بشكل معتدل».
عقبات تلوح في الأفق:- ومع ذلك، يرى باسو أن إدارة اقتصاد الهند لا تسير على نحو جيد، مشيراً إلى أن سوق العمل هي السبب الرئيسي لضعف اقتصاد البلاد في الوقت الحالي.
وذكر باسو لشبكة «CNN» أن قضية الوظائف، التي وصفها بعض المحللين بأنها قنبلة موقوتة تلوح في الأفق، أصبحت واحدة من أكبر مشكلات الهند، وقد تتفاقم مع نمو السكان.
وقالت ألكسندرا هيرمان كبيرة الاقتصاديين لدى «أكسفورد إيكونوميكس»، إن اقتصاد الهند سيستفيد مع قيام الشركات بتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين، لكن هنا عدة عقبات ستعيق هذا التحول.
وأشارت ألكسندرا إلى قوانين العمل الصارمة ورسوم الاستيراد المرتفعة كأمثلة على هذه العوائق، كما أنه رغم تحسينات البنية التحتية، لا تزال تكاليف اللوجستيات في الهند أعلى منها في الصين وكوريا الجنوبية واليابان وماليزيا وتايلاند، وفقاً للبنك الدولي. في غضون ذلك، يرى باسو الخبير الاقتصادي أن المفتاح الآن هو أن تأتي الحكومة بخطة لاستيعاب العمالة الزائدة من خلال زيادة خلق الوظائف في قطاع التصنيع، لتواكب الزيادة السكانية المستمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى