مقالات اقتصادية

كيف تكشف أسعار الفائدة المرتفعة نقاط ضعف البنوك؟

كتب أسامة صالح 

وصفت نهاية أسعار الفائدة المنخفضة تاريخيا بأنها أخبار جيدة للبنوك، التي تجني مزيدا من الأموال مع اتساع الفارق بين ما تفرضه من رسوم على المقترضين وما تدفعه مقابل التمويل. لكن الأزمات الأخيرة على جانبي الأطلسي تظهر أن الواقع أكثر تعقيدا، ما يعكس الحكمة السائدة.

بعض البنوك، ولا سيما في أوروبا، عالقة مع دفاتر قروض ضخمة بأسعار فائدة ثابتة أقل بكثير من المستويات الحالية. يمكن للبنوك الأخرى التي لديها حصة أعلى في دفترها بأسعار فائدة متغيرة أن تفرض على الفور فائدة أعلى من القروض المستحقة، لكنها تخاطر بموجة من التخلف عن السداد من جانب المقترضين الذين لم يعد بإمكانهم تحمل خدمة ديونهم.

ثم هناك قضية السندات الحكومية، حيث كانت البنوك تحتفظ بمزيد من السيولة بعد أن حدت اللوائح التنظيمية التي أعقبت الأزمة المالية من إقدامها على المخاطرة. انخفضت قيمة السندات التي تم شراؤها قبل عام لأنها تقدم أسعار فائدة أقل من تلك التي تباع اليوم، ما يعد أمرا جيدا ما لم تضطر البنوك إلى بيعها لتلبية طلبات المودعين.

مصدر القلق الآخر هو السلوك غير المتوقع للمودعين، حيث يبحثون عن أماكن أكثر ربحا لإيداع أموالهم فيها، بما في ذلك صناديق أسواق المال والعملات المشفرة، إذا كانت البنوك بطيئة في رفع أسعار فائدة المدخرات.

فيما يلي ملخص لكيفية حدوث كل هذا وأكثر في الفروع وغرف التداول من لندن إلى نيويورك.

الخسائر في محافظ السندات

تشتري البنوك بشكل روتيني ديونا حكومية آمنة للغاية كطريقة للوفاء بالمتطلبات التنظيمية للاحتفاظ بكمية كافية من الأصول السائلة عالية الجودة. وأدت أسعار الفائدة المرتفعة إلى انخفاض حاد في قيمة هذه السندات.

قال الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إن البنوك الأمريكية تكبدت 620.4 مليار دولار من الخسائر غير المحققة في محافظ الأوراق المالية الخاصة بها في نهاية 2022، بما في ذلك 340.9 مليار دولار على السندات التي لم تخطط لبيعها. بموجب اللوائح الأمريكية، لا يتعين على المقرضين أن يأخذوا في الحسبان الخسائر المقومة بسعر السوق في أرباحهم أو نسب رأس المال، لذلك لم يقم معظمهم بالتحوط ضد هذا الاحتمال.

عندما يجد البنك نفسه يعاني من نقص في السيولة لتلبية تدفقات الودائع الخارجة، كما حدث لـ”سيليكون فالي بنك”، فقد يضطر إلى بيع جزء من محفظته المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق، ما يؤدي إلى تبلور الخسائر وإلى احتمال إثارة قلق المستثمرين والمودعين.

تختلف اللوائح بالنسبة إلى البنوك في أوروبا، حيث يعكس رأس المال التنظيمي بالفعل تأثير أسعار الفائدة السائدة على معظم السندات. وفي المملكة المتحدة، يقول جوناثان بيرس، المحلل في بنك نوميس، “إن البنوك البريطانية الستة الكبرى لديها 600 مليار جنيه استرليني من سندات الدين، ثلثاها مسجلان بالفعل بقيمة عادلة”.

وأضاف أن “خفض بقية المحفظة وفقا لأسعار السوق الحالية من شأنه أن يضر بنسب رأسمال البنوك بمقدار 30 نقطة أساس فقط، وهو مبلغ صغير في سياق متوسط نسب رأس المال التي تبلغ 15 في المائة التي كانت أقوى منها في كثير من المناطق الجغرافية المصرفية”.

يقول محللون “إنه يبدو أن البنوك الأوروبية تحوطت لكثير من مخاطر أسعار الفائدة”. وهذا يلغي مشكلة الخسائر غير المحققة التي تؤثر في قدرة البنك على الإقراض، حيث تحدث الضربات على قيم السندات في الوقت الفعلي.

قروض بسعر فائدة ثابت

تشكل أسعار الفائدة المرتفعة تحديا مزدوجا لجانب الإقراض في دفاتر الأصول الخاصة بالبنوك.

تمتعت البنوك بتلك القادرة على تمرير زيادات أسعار الفائدة إلى العملاء عن طريق قروض بسعر فائدة عائم بارتفاع كبير في الأرباح 2022. إن لدى القروض ذات السعر الثابت فرصة أقل للتخلف عن السداد لكنها أيضا تمثل عبئا على الربحية بالنسبة إلى البنوك التي ستزداد تكاليف تمويلها.

كما تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى مزيد من حالات التخلف عن السداد، على الرغم من أن القروض المتعثرة لا تزال عند مستويات منخفضة في الاتحاد الأوروبي حيث تم تصنيف 1.5 في المائة فقط من الرهون العقارية على أنها قروض متعثرة في أيلول (سبتمبر)، وفقا لأحدث البيانات المتاحة من الهيئة المصرفية الأوروبية.

أصبحت القروض ذات أسعار الفائدة المتغيرة أكثر شيوعا في منطقة اليورو، لكن القروض العقارية الثابتة لا تزال تمثل نحو ثلاثة أرباع الإجمالي، وفقا لبيانات البنك المركزي الأوروبي. وتختلف النسبة باختلاف البلد. وجدت دراسة أجراها البنك المركزي الأوروبي في 2019 أن المنتجات ذات السعر الثابت شكلت 4.5 في المائة فقط من الرهون العقارية في البرتغال، لكن أكثر من 80 في المائة في فرنسا. وفي المملكة المتحدة، كان نحو 85 في المائة من جميع قروض الرهن العقاري بمعدلات ثابتة في نهاية العام الماضي، لكن النسبة المئوية للقروض العقارية الجديدة كانت نحو 95 في المائة، كما تظهر البيانات من بنك إنجلترا وهيئة السلوك المالي.

الصورة أكثر تعقيدا في الولايات المتحدة، حيث تمثل الرهون العقارية ذات المعدل القابل للتعديل أقل من 10 في المائة من إجمالي الرهون العقارية، لكن 36 في المائة من تلك الموجودة في الميزانيات العمومية للبنوك، وفقا لبيانات المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع.

العقارات التجارية

تركز البنوك بشكل خاص على القروض العقارية التجارية. إضافة إلى أسعار الفائدة المرتفعة، يواجه المستثمرون العقاريون تقييمات أقل بسبب التغييرات المرتبطة بالجائحة في أنماط العمل والتسوق.

وفقا لبنك جيه بي مورجان، تحتفظ البنوك بما يزيد قليلا على خمسي قروض العقارات التجارية الأمريكية.

قال جاي بأول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، الأسبوع الماضي “إن البنك المركزي كان على دراية بالتركيز في إقراض العقارات التجارية”، لكنه شدد على أنه لا يعتقد أن هذه المشكلة يمكن مقارنتها بالضغوط الأخرى على البنوك.

تم تعريف تعرض البنوك الأوروبية للعقارات التجارية بأنه “نقطة ضعف رئيسة” وذلك من قبل البنك المركزي الأوروبي. ومع ذلك، تشكل العقارات التجارية نحو 6 في المائة فقط من دفاتر القروض الأوروبية، وفقا لشركة دي دبليو إس لإدارة لأصول.

كما أن النسب المحافظة للقرض إلى القيمة من 50 إلى 60 في المائة في أوروبا تمنح البنوك حماية صحية لامتصاص انخفاض الأسعار، وفقا لدراسة أجرتها كلية بايز للأعمال.

لكن تكاليف الديون تضاعفت في غضون عام ويتوقع المحللون أن تضيف الاضطرابات في القطاع المصرفي إلى تحديات إعادة التمويل. قال زاكاري جوج، المحلل العقاري في بنك يو بي إس “ستكون معايير الإقراض أكثر صرامة في المستقبل. لم نشهد قدرا هائلا من المبيعات القسرية، لكن هناك أصولا في ورطة”.

الأصول الخاصة

يعد تعرض البنوك لعالم الائتمان الخاص المزدهر مجالا آخر تتركز عليه الأضواء. تحتل القروض ذات الرافعة المالية رأس قوائم مراقبة الجهات التنظيمية، وهي القروض التي تستخدمها مجموعات الأسهم الخاصة عادة لتمويل عمليات الاستحواذ الخاصة بها.

عادة ما تضم قروض الرافعة المالية “مديونية عالية، أو افتراضات السداد القوية، أو التعهدات الضعيفة، أو الشروط التي تسمح للمقترضين بزيادة الديون، بما في ذلك السحب على التسهيلات المتدرجة”، وفقا لمراجعة سنوية صدرت عن الجهات التنظيمية الأمريكية الشهر الماضي.

نظرا لأن هذه القروض تجتذب الفائدة بأسعار عائمة، فإن قيمتها لا تنخفض تلقائيا مع ارتفاع أسعار الفائدة، لكن قد لا يساعد هذا كثيرا إذا كانت الشركات ذات المديونية العالية تكافح من أجل الوفاء بالتكلفة المتزايدة لخدمة ديونها.

يعد الائتمان لصناديق التحوط التي قامت بمراهنات كبيرة على أسعار الفائدة مجالا آخر تراقبه البنوك بعناية. ذكرت “فاينانشيال تايمز” في نهاية الأسبوع الماضي أن الجهات التنظيمية الأمريكية قد أبلغت عن مخاوفها بشأن صندوق معين، “روكوس”، الذي اضطر إلى تقديم ضمانات إضافية للبنوك بعد أن أدت رهاناته على أسعار الفائدة إلى نتائج عكسية.

تدفقات الودائع

عندما ترتفع أسعار الفائدة والتضخم، يتوقع المدخرون أن ذلك في مصلحة أموالهم. ولا يحدث هذا دائما في البنوك، ما قد يدفع العملاء إلى أخذ أموالهم في مكان آخر.

في الولايات المتحدة، انخفض إجمالي الودائع المصرفية بنسبة 3.3 في المائة منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة العام الماضي، حيث سعى المدخرون إلى البحث عن بدائل ذات عائد أعلى لسعر الفائدة البالغ 1 في المائة الذي يقدمه كثير من البنوك الأمريكية، مثل نسبة 4 في المائة التي يمكنهم الحصول عليها من صناديق أسواق المال.

تسارع هذا الاتجاه في وقت إفلاس “سيليكون فالي بانك” وبنك سجنتشر نفسه. فانخفضت الودائع في البنوك الأمريكية بأكبر قدر خلال عام تقريبا في الأيام السبعة حتى 15 آذار (مارس).

تظهر بيانات الاحتياطي الفيدرالي أن تدفقات الودائع الخارجة -التي بلغت في المجمل 98.4 مليار دولار أو 0.6 في المائة من الإجمالي- جاءت من البنوك الصغيرة، بينما كانت هناك زيادة في الودائع لدى المنافسين الأكبر.

قالت كاثي بوستانسيك، كبيرة الاقتصاديين في بنك نيشنوايد “قد نشهد أزمة ائتمانية كبيرة حيث ستحتاج البنوك إلى كبح جماح الإقراض بسبب حالة هروب كبير للودائع”.

في منطقة اليورو، سحب المودعون 214 مليار يورو خلال الأشهر الخمسة الماضية، أو 1.5 في المائة من إجمالي الودائع، وفقا للبيانات التي نشرها البنك المركزي الأوروبي هذا الأسبوع. تسارع التراجع في شباط (فبراير)، آخر شهر تتوافر عنه بيانات، حيث خفض المودعون حيازاتهم بمقدار 71.4 مليار يورو، أكبر انخفاض شهري منذ بدء السجلات في عام 1997.

قال لوكا بيرتالوت، الأمين العام للاتحاد الأوروبي للرهن العقاري، “إن البنوك الأوروبية تمكنت من استبدال بعض تمويل الودائع بإصدار سندات دين مغطاة، التي يتم تأمينها مقابل مجموعة من قروض الرهن العقاري”.

ارتفاع تكلفة التمويل

بينما تتوافر مصادر تمويل أخرى، إلا أنها تصبح أكثر تكلفة عندما ترتفع أسعار الفائدة مع طلب المستثمرين عوائد أعلى على ودائعهم.

إن القرار الأخير الذي اتخذته الجهة التنظيمية السويسرية فينما بمحو 16 مليار فرنك سويسري “17 مليار دولار” من سندات الدرجة الأولى الإضافية كجزء من استحواذ بنك يو بي إس على بنك كريدي سويس سيزيد من تكاليف التمويل بالجملة للبنوك الأوروبية.

في المتوسط، تمتلك البنوك الأوروبية انكشافا إضافيا من الدرجة الأولى الإضافية يعادل 2.2 في المائة من أصولها المرجحة بالمخاطر التي تواجهها البنوك في عملياتها، رغم أنها أعلى بشكل ملحوظ في بعض جهات الإقراض مثل بنك يوليوس باير بنسبة 7.2 في المائة وبنك باركليز بنسبة 3.9 في المائة.

قال مستشار لعدة بنوك “بالنسبة إلى البنوك السويسرية من الدرجة الثانية -ليس بنك يو بي إس لكن أمثال بنك يوليوس باير أو بنك فونتوبيل- هناك خوف بشأن إذا ما كانت السوق ستكون مفتوحة أمام الدرجة الأولى الإضافية، وحتى لو كانت كذلك، فبأي ثمن؟”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى