اقتصاد دولي

لكسر هيمنة بينانس.. “وول ستريت” تتأهب لاقتحام سوق العملات المشفرة

بعد الانتشار الكبير الذي حققته العملات الرقمية، تعكف بعض أشهر الأسماء في مجال التمويل على بناء منصات تداول خاصة في الأسواق الرقمية، مراهنة على أن مديري الصناديق سيفضلون العلامات التجارية المألوفة والموثوقة على بورصات العملات المشفرة المبهمة التي تهيمن على القطاع.

بنك ستاندرد تشارترد، وبنك نومورا، وبنك تشارلز شواب من بين المؤسسات المالية التقليدية التي تعمل على إنشاء، أو دعم شركات عملات مشفرة جديدة، بما في ذلك البورصات التي يمكنها التعامل مع الرموز الرقمية مثل بيتكوين والإيثر.

تراهن الشركات القائمة على أن مديري الصناديق لا يزالون حريصين على تداول العملات المشفرة، حتى بعد انهيار أسعارها العام الماضي وفشل سلسلة من الشركات – بما فيها بورصة إف تي إكس وشركتا الإقراض سلسيوس وفوياجر.

بالنسبة لمديري الأصول، أكدت الانهيارات على مخاطر استثمار الأموال في أعمال غير مقننة إلى حد كبير وتواجه تساؤلات حول شفافيتها. يطالب كثيرون بضمانات بأن تكون أموالهم آمنة قبل أن يبدأوا في تداول العملات المشفرة.

قال جوتام تشوجاني، كبير محللي الأصول الرقمية العالمية في شركة بيرنشتاين، “يفضل المستثمرون المؤسسيون، العريقون، التقليديون والكبار بالتأكيد التعامل مع الأطراف المقابلة الذين يعرفون أنهم موجودون منذ أعوام وقد تم تنظيمهم بالمعنى التقليدي”.

تأتي جاذبية العملات المشفرة بعد ارتفاع أسعار العملات المشهورة، بيتكوين والإيثر، نحو 68 في المائة و56 في المائة على التوالي حتى الآن هذا العام، مقارنة بارتفاع 8.8 في المائة في مؤشر إم إس سي آي العالمي.

قال ألكسندر بيري، كبير المسؤولين التحليليين للخدمات المالية في شركة إس آند بي جلوبال ريتنجز، “يختبر كثير من اللاعبين المؤسسيين أجزاء مختلفة من النشاط لاختبار الوضع، وبناء قليل من الخبرة في السوق، لكن أيضا (…) للتأكد من أن لديهم خيارا لمزيد من سبل النمو”.

يدخل الوافدون الجدد إلى سوق تهيمن عليه شركات مثل بينانس وكوينبيس، لديها عملاء مؤسسيون خاصون بها.

لكنهم يراهنون على أن خبرتهم في مجال التمويل وسمعتهم، التي لم تطولها موجة فضائح العملات المشفرة وإجراءات الإنفاذ من قبل جهات التنظيم الأمريكية، ستثبت أنها مقنعة.

بنك تشارلز شواب للسمسرة وشركة سيتادل سكيورتيز لصناعة الأسواق وشركة فيرتشو فاينانشيال، من بين المجموعات التي تدعم بورصة إي دي إكس ماركتس، بينما دعم بنك ستاندرد تشارترد في المملكة المتحدة بورصة زوديا ماركتس ودار الوصاية زوديا كستدي.

قال جميل نزارالي، رئيس بورصة إي دي إكس ماركتس والمدير التنفيذي السابق لشركة سيتادل سكيورتيز، “لقد أرادوا بناء بورصة يشعروا بالراحة تجاه التداول فيها”.

تختلف البنية التحتية التي يتم بناؤها من قبل المؤسسات الكبيرة بشكل ملحوظ عن الهيكل الأصلي لصناعة العملات المشفرة. يحرص المسؤولون التنفيذيون في وول ستريت على فصل وحدات الأعمال، كفصل التداول عن الوصاية، بحسبانها طريقة لتقليل المخاطر والتضارب المحتمل في المصالح.

أدى انهيار بورصة إف تي إكس، التابعة لسام بانكمان-فريد، وشركة ألاميدا ريسيرش، اللتين كانتا مترابطتين بشكل وثيق، إلى إبراز تلك المخاوف.

برز مجال الوصاية، حيث يتم تخزين الأصول بشكل آمن لحماية الأموال من الاختراق أو السرقة، باعتبار ذلك الطريقة الأكثر مباشرة لمجموعات التمويل التقليدية لتنمية حضورها في صناعة العملات المشفرة.

قال مايكل صفاي، الشريك المؤسس لشركة ديكستري كابيتال للتداول، “لا أريد أن يدير الوصاية الشخص نفسه الذي يدير البورصة”، مضيفا أن مدى عدم فصل بعض الشركات لهذه الوظائف “ليس جذابا، بل هو مقلق بعض الشيء”.

لدى بنك بي إم واي ميلون وشركة فيديليتي بالفعل أذرعهما الرقمية الخاصة للوصاية على الأصول وتنتظر بورصة ناسداك الأمريكية موافقة الجهات التنظيمية الأمريكية من أجل إطلاق خدمتها الخاصة.

وجدت دراسة استقصائية شملت 250 مديرا للأصول، نشرت الشهر الماضي من قبل شركة آي واي بارثينون الاستشارية، أن نصفهم سيتحولون من مجموعة أصلية للعملات المشفرة إلى شركة مدعومة تقليديا تقدم الخدمات نفسها. علاوة على ذلك قال 90 في المائة إنهم سيثقون في مجموعة مالية تقليدية للعمل وصيا على رموزهم المشفرة.

قال بيري، من شركة إس آند بي، إن الوصاية على العملات المشفرة في الأغلب ما تكون الخطوة الأولى لأنها “أكثر أمانا وأساسية. إنها نشاط ذو هامش منخفض، وعليك القيام بمهمتين أو ثلاث وعليك القيام بها بشكل جيد”.

إذا نجحت شركات العملات المشفرة المدعومة من وول ستريت في جذب مديري الأصول المؤسسيين، فقد يشكل ذلك تحديا لهيمنة بورصات التشفير الحالية مثل بينانس أو كوينبيس.

قال جيز محي الدين، الرئيس التنفيذي لليزر ديجيتال، شركة لتداول العملات المشفرة ورأس المال المغامر مملوكة لبنك نومورا، إن بعض البورصات “لا تقدم التنفيذ الأفضل أو الأسعار الأفضل” وإن زيادة مشاركة المؤسسات التقليدية في صناعة العملات المشفرة ستؤدي إلى “مزيد من الشفافية ومزيد من التقارب في التسعير”.

مع ذلك، قال تشوجاني، من شركة برنشتاين، إن بورصات العملات المشفرة الحالية ظلت مصدرا رئيسا للسيولة، مشيرا إلى أن “مكاتب التداول تحصل على السيولة من تلك البورصات” وأن الأمر سيستغرق وقتا حتى تحصل الشركات الجديدة على حصة في السوق.

تعمل الشركات المدعومة من وول ستريت على بناء بنيتها التحتية وفقا لخطوط أكثر تقليدية. قال نزارالي إن بورصة إي دي إكس لم تبن موقعها عمدا على تكنولوجيا الحوسبة السحابية، كما فعلت بورصات التشفير الأخرى، مضيفا أن السحابة ساعدت في توسيع نطاق بورصات العملات المشفرة “بسرعة كبيرة جدا”، لكنها كانت بطيئة للغاية ولا يمكن الاعتماد عليها بالنسبة للمتداولين المحترفين. “صناع السوق يكرهون ذلك، لأنه يوجد كثيرا من المخاطر بالنسبة لهم، ولا يمكنهم عرض أسعار ضيقة كهذه”.

مع وضوح النتائج، يرى بعض المسؤولين التنفيذيين أن هناك سوقين تتطوران، واحدة ضحلة، تواجه التجزئة مع اختلافات واسعة بين أسعار البيع والشراء، وأخرى مؤسسية عميقة، حيث تكون الأسعار أكثر تنافسية.

وفقا لعصمان أحمد، الرئيس التنفيذي لبورصة زوديا ماركتس، مع تطور صناعة العملات المشفرة “قد يؤدي ذلك إلى تفاوت في الفروق بين المؤسسات وتداولات التجزئة، ما يؤدي إلى أن تدفع المؤسسات فروقا أضيق في سوق أكثر سيولة”.

قال تشوجاني، “سيكون هيكلا مزدوجا مع كون بورصة بينانس واجهة التجزئة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى