اقتصاد دولي

لماذا تطور أميركا صداقاتها مع جيران الصين؟

قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن محاولة إدارة بايدن قطع العلاقات الاقتصادية مع الصين جراحياً ستكون صعبة التنفيذ، وأن زيارة وزيرة الخزانة جانيت يلين، إلى فيتنام هذا الأسبوع لمناقشة سعيها من أجل “تكوين صداقات”، وهو مصطلح تستخدمه لدعوة الشركات إلى تحويل سلاسل التوريد من الصين إلى دول أكثر صداقة، هو أمر معقد بسبب تقاطع سلاسل التوريد لتلك البلدان مع الصين.

تضخمت التجارة بين الولايات المتحدة وفيتنام في السنوات الخمس الماضية، لتصل إلى ما يقرب من 140 مليار دولار في عام 2022 من 60 مليار دولار في عام 2018.

وقالت يلين أثناء قيامها بجولة في مصنع هانوي في فيتنام الذي يعتمد على بعض المكونات الصينية “نرى إمكانات كبيرة تمضي قدماً لتعميق تلك العلاقات”، كما أشادت مراراً وتكراراً بالعلاقات المتنامية في اجتماعاتها مع رئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشين ومسؤولين آخرين في الحزب الشيوعي خلال زيارتها.

وقالت الصحيفة إن فصل دور الصين في سلاسل التوريد العالمية، حتى في مناطق محدودة، ليس بالأمر السهل، مشيرة إلى تراجع حصة واردات السلع الأميركية من الصين في السنوات الأخيرة، بينما توسعت مع دول آسيوية أخرى، مشيرة إلى الارتباط الوثيق للشركاء التجاريين البديلين مثل فيتنام أو كوريا الجنوبية مع الصين. وقالت إن هيمنة الصين على تكنولوجيا الطاقة النظيفة تجعل إدارة بايدن مترددة في دفع الشركات إلى تجنب المنتجات الصينية تماماً، والتحديد الدقيق للصناعات التي ترى فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها أن الصين تشكل تهديداً يمثل تحدياً.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أخبرت يلين نظراءها الصينيين في بكين أن هدف الولايات المتحدة هو تقليل التعرض للصين في القطاعات الرئيسة من دون تعريض التجارة والتدفقات الاستثمارية التي تعود بالفائدة على البلدين للخطر.

علاقات وثيقة مع الصين 

ولا يزال الإنتاج الفيتنامي في كثير من الحالات يشمل الشركات الصينية، وفي هانوي، قامت يلين بجولة في مصنع لشركة “ساليكس موتورز” والذي ينتج دراجات نارية كهربائية، لكن الشركة تستخدم موردين صينيين للمحركات الكهربائية وبعض الموصلات الإلكترونية والمفاتيح وامتصاص الصدمات، وفقاً للرئيس التنفيذي للشركة، والذي قال إن 80 في المئة من إمدادات الشركة تأتي من مصادر محلية.

كما أصبحت فيتنام مزوداً مهماً للألواح الشمسية للولايات المتحدة، ومع ذلك وجد تحقيق أجرته وزارة التجارة الأميركية أن الشركات الصينية تحايلت على التعريفات من خلال إعادة توجيه منتجاتها عبر فيتنام وثلاث دول أخرى في جنوب شرقي آسيا.

وكان من شأن هذا الاكتشاف أن يعرض الألواح الشمسية من فيتنام وتلك الدول الأخرى لرسوم جمركية أعلى بكثير، لكن إدارة بايدن أرجأت الرسوم وسط مخاوف في شأن ارتفاع تكاليف الألواح الشمسية في الولايات المتحدة.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخزانة إن الشركات الصينية لا تشارك في الكثير من زيادة التجارة بين الولايات المتحدة وفيتنام، مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية المواتية في فيتنام هي من دفعت النمو.

واليوم تواجه الإعانات الأميركية الجديدة لمساعدة المستهلكين على شراء السيارات الكهربائية، والتي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الصين مع خفض انبعاثات الكربون، تحدياً مماثلاً، فلكي تكون مؤهلاً للحصول على الدعم، يجب أن تكون بطارية السيارة مصنوعة إلى حد كبير من مكونات ومعادن تأتي من الولايات المتحدة أو أحد شركائها في التجارة الحرة، والصين ليست مثل هذا الشريك.

شركات تثير القلق 

حذرت الصحيفة من أنه سواء كانت إدارة بايدن تحدد على نطاق واسع “كياناً أجنبياً” ليشمل العديد من الموردين الصينيين، أو تستهدفه بشكل أضيق نطاقاً لشركات معينة فقط، فإن ذلك ستكون له عواقب وخيمة على توفر الائتمان، وبخاصة مع هيمنة الشركات الصينية على صناعة مكونات البطاريات وتوريد المعادن فيها. وأشارت إلى أنه قد يكون من المستحيل إزالة المنتجات الصينية تماماً من سلسلة التوريد لشركات صناعة السيارات في المستقبل القريب، إلى جانب أن بعض الشركات الأميركية خططت للانضمام إلى الشركات الصينية في إنتاج البطاريات.

وفي مقابلة، قالت يلين إن تعريف “كيان أجنبي مثير للقلق” أمر “معقد للغاية”، مضيفة أن قواعد وزارة الخزانة ستبقى ضمن حدود قانون خفض التضخم.

وأضافت يلين “ولكن في الأماكن التي يوجد بها مجال ما، فإننا بالتأكيد نضع في اعتبارنا أننا لا نريد أن نجعل ذلك مستحيلاً، فنحن نركز بشدة على مرونة سلسلة التوريد لتلبية أهدافنا”.

ومع الإعانات الأخرى للطاقة النظيفة، كتبت إدارة بايدن قواعد تتخذ وجهة نظر أكثر تساهلاً في شأن متطلبات التوريد مما كان يأمل بعض المصنعين الأميركيين، مما يمهد الطريق لاستخدام الإمدادات الصينية في بناء الطاقة النظيفة المدعوم، كما سمحت إدارة بايدن أيضاً لكبار مصنعي أشباه الموصلات في كوريا الجنوبية وتايوان بمواصلة البيع في الصين على رغم ضوابط التصدير الأميركية.

كما تعمل إدارة بايدن أيضاً على صياغة قواعد جديدة لتقييد بعض الاستثمارات الأميركية في الصين، لكنها لا تزال تبحث في كيفية تطبيق القواعد على الشركات الأجنبية التابعة للشركات الأميركية، من بين تفاصيل أخرى، وستطبق القيود على استثمارات الأسهم الخاصة الأميركية ورأس المال الاستثماري في أشباه الموصلات والحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي، مما يحظر بعض الاستثمارات في تلك القطاعات بينما يتطلب الإفصاح عن استثمارات أخرى.

والهدف من الأمر هو منع المستثمرين الأميركيين من مساعدة الشركات الصينية على تطوير تكنولوجيا يمكن استخدامها ضد الولايات المتحدة أو حلفائها في مواجهة عسكرية.

وقالت يلين في مقابلة، في إشارة إلى قواعد الاستثمار الجديدة “لم يتقرر الأمر أخيراً، لذا لا أريد أن أقول إنها ستحدث هذا الصيف على الأرجح”.

وتشجع الولايات المتحدة حلفاءها في أوروبا على اتخاذ خطوات مماثلة لحماية سلاسل التوريد والحد من وصول بكين إلى الخبرات الغربية، في حين أن العثور على التوازن الصحيح هو أمر صعب بالنسبة لهم أيضاً.

وقال المفوض الأوروبي للاقتصاد، باولو جينتيلوني في مقابلة “نحن في حاجة إلى التجارة مع الصين، وفي الوقت نفسه نحتاج إلى جعل سلاسل التوريد الاستراتيجية الحيوية أكثر أماناً… الأمر سهل في الكلمات، ولكن ليس واضحاً من الناحية العملية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى