مختارات اقتصادية

مع عودتها للارتفاع مجددًا .. هل تشكل العملات المشفرة منافسًا لسوق الأسهم؟

في نهاية عام 2021 قدرت دراسة لـ”ماكنزي” حجم الأصول العالمية ورؤوس الأموال بحوالي 610 تريليونات دولار، بما في ذلك قيمة الشركات والعقارات والمعدات والآلات والأصول غير العينية والمعادن النفسية وغيرها من أشكال الأصول سواء كانت ملموسة أو غير ذلك.

وتستقر هذه الأصول أحيانا لفترات طويلة، وتتغير قيمتها بتغير العرض والطلب، لكن يبقى المؤكد أن الكثير من المستثمرين يقيمون خياراتهم عند دخول السوق ويدرسون في أي من تلك الأصول، يضعون استثماراتهم ولذا تبقى حالة من الحركية والارتباط بين تلك الأصول وبعضها البعض.

العملات الرقمية وعودة للارتفاع

ومع عودة العملات المشفرة، والرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) للارتفاع مجددًا –نسبيًا بعد تدنيها لمستويات قياسية- يثار تساؤل حول تأثير هذا الأمر على باقي أشكال الاستثمارات والأصول، لا سيما سوق الأسهم.

فمع بداية هذا العام، ارتفعت القيمة السوقية للعملات المشفرة بنسبة 36% (حتى نهاية فبراير 2023)، نتيجة لتدفق أكثر من 300 مليار دولار إلى سوقها، ولكن ما زالت الأسواق منخفضة بنسبة 63% عن المستويات الإيجابية التي حققتها في نوفمبر 2021 حينما تجاوز إجمالي القيمة السوقية 3 تريليونات دولار.

ويعني تدفق حوالي 300 مليار دولار أن هناك أصولا أخرى تم بيعها، أو حتى أن وفورات مالية تم استخدامها لشراء تلك العملات المشفرة بما يجعل الأصول الأخرى تخسر اقتصاديا بفقدانها للفرصة البديلة، ولأن الأسهم سهلة البيع والشراء مثل العملات الرقمية وسعرها متغير باستمرار فهي الأقرب للمقارنة بالعملات المشفرة على حساب أصول أخرى أكثر استقرارًا من الناحية السعرية وأقل في إمكانية بيعها بسهولة.

اختلاف في “الرهانات”

ويجب الانتباه هنا إلى أنه إذا كان هناك تأثير واضح لمؤشرات الخوف والطمع في سوق الأسهم، فإن هذا المؤشر ذاته في سوق العملات المشفرة أشد تأثيرًا بمراحل، لا سيما عندما نضع في الاعتبار أن إحدى أكثر الكلمات بحثًا في سوق العملات المشفرة هي (crypto 1000x) أو حول العملات التي يمكن أن يزيد سعرها بألف ضعف في المستقبل.

فعلى الرغم من وجود عملات “شهيرة” في سوق العملات المشفرة مثل “بيتكوين” و”إيثيريوم” و”دوج كوين” وغيرها، إلا أن الكثير من المستثمرين في هذه السوق يبحثون عن العملات ومنتجات البلوك تشين الأقل شهرة كي يحصدوا مكاسب كبيرة للغاية وليس زيادات تقليدية بنسبة مئوية متدنية.

لذا لا يمكن القول بأن هناك تماثلا بين المحافظ الاستثمارية العامة التي تعمل في مجال العملات المشفرة والتي تعمل في الأسهم، وإن تشابه كلاهما في بعض الأوجه.

وعلى سبيل المثال فهناك عبارة شهيرة لـ”وارين بافيت” أحد أشهر المستثمرين في الأسهم عالميا حيث يقول: “لن أشتري كل العملات المشفرة الموجودة في العالم حتى لو أصبحت جميعا بـ25 دولارًا، لأنه لا يمكنني معرفة ما الذي أقوم بتحليله تحديدًا، وخلافًا لوضع الاقتصاد العام و”الاستعداد للمغامرة” لا يبدو أن هناك عاملا واضحا يمكن تقييم تلك العملات بناء عليه”.

هنا يلتقيان

وعلى الرغم من أن لرأي “بافيت” وجاهته فإن قرابة 35% من المتعاملين في سوق الأسهم الأمريكي لا يشاركونه اعتقاده، حيث ينوع هؤلاء في استثماراتهم بين سوق الأسهم وبين العملات المشفرة، وذلك بين تقسيم البعض لاستثماراتهم بين عالية المخاطر ومتدنية ومتوسطة، ولذا يستثمرون في سوق العملات المشفرة كنوع من الاستثمار عالي المخاطرة.

وبشكل عام لا يقبل غالبية المستثمرين في سوق الأسهم على استثمار مبالغ كبيرة في سوق العملات المشفرة، حيث لا تتجاوز هذه النسبة 10% من مجمل الاستثمارات لدى 93% من المستثمرين، بما يشير إلى استخدام هذه الأداة كوسيلة للمغامرة أكثر منها للاستثمار لدى المستثمرين في سوق الأسهم.

بل ويمكن القول بأن غالبية المستثمرين المشتركين بين سوق الأسهم وسوق العملات المشفرة هم من المضاربين الذين يعتمدون على الشراء والبيع السريع في السوقين على حد سواء، ليبدو نمطهم الاستثماري واحداً بغض النظر عن نوع الأصول التي يهتمون بها.

وتشير التقارير إلى أنه على الرغم من الصورة غير المستقرة العامة التي تبدو للكثير من المتابعين لسوق العملات المشفرة فإن البعض يعتمد فيها على الاستثمار طويل المدى، حتى أن هناك ما يقدر بـ370 مليار دولار من عملة “بيتكوين” على سبيل المثال لا يتم تداولها في الأسواق على الإطلاق وهي “خاملة”، بما يوحي بوجود استثمارات طويلة المدى بشكل ما.

فخلافًا للأسهم التي تبدأ من قيمة مبدئية للاكتتاب في السهم، أو سعر طرحه الأولي في السوق، فإن العملات المشفرة تبدأ وقيمتها أعلى من الصفر بقليل جدًا أو ربما تبدأ بقيمة صفرية في بعض الأحيان، لذا فإن من حصلوا على “بيتكوين” في بداية ظهورها بقيم متدنية للغاية يبقون رابحين مهما تراجعت، ولم تنهر بشكل كامل، ولذا يبقون على حيازتهم من العملة المشفرة.

تفرغ وإلا

والفكرة أيضًا أن عالم العملات المشفرة كبير للغاية ومتشعب، حيث قدر عدد “العملات” في نهاية العام الماضي بحوالي 22 ألفا، من بينها آلاف العملات “بلا قيمة” حقيقية، ومع ذلك فإن التقديرات تشير إلى ظهور ألف عملة مشفرة بشكل شهري في هذه السوق.

ويأتي ذلك مع زيادة التداول أيضا في الرموز غير القابلة للاستبدال وعملات الميم “meme coins” والعملات البديلة وغيرها بما يجعل السوق متشعبة بشكل يجعل متابعتها صعبة لغير المتخصصين والمتفرغين بشكل كامل ويصعب اعتباره استثمارًا عرضيًا.

احتيال ونصب

ولذلك فهناك بعض المؤشرات التي تشير إلى ضعف إمكانية منافسة العملات المشفرة بشكل نسبي للأسهم في الفترة المقبلة، ومن ذلك إعلان لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية عزمها التشديد على الأصول الرقمية بكافة أشكالها، وإن استثنت من ذلك البيتكوين.

وأشارت اللجنة إلى أن العديد من هذه الأصول تبدو كما لو كانت محاولات للنصب وسرقة الأموال أكثر منها أنها استثمار حقيقي أو حتى مضاربة في رؤوس الأموال، وأن الطبيعة السرية والتي تتسم بدرجة عالية من الخصوصية لتكنولوجيا بلوك تشين قد تتيح للبعض بالفعل استغلال الأمر لسرقة رؤوس أموال الآخرين، بينما يظل السارق مجهولًا بل ودون وسيلة واحدة لمعرفته.

وحذرت تقارير من أن حوالي 12% من عمليات التجارة والتداول في العملات المشفرة تكون “خدعة أو نصبا (scam) وأنه إذا كان 90% من المتعاملين في سوق الأسهم يخسرون أموالهم، فإن النسبة ذاتها ترتفع في سوق العملات المشفرة إلى 96%.

والشاهد أيضًا أن هنا حالة من “العداء الرسمي” للعملات المشفرة، خلافًا لسوق الأسهم التي تحظى غالبًا بدعم الحكومات نحو الازدهار، ويمكن رؤية هذا من خلال نزوع الكثير من الدول لإصدار عملتها الرقمية الخاصة، فضلًا عن الأنباء مثلًا حول اتجاه مجموعة العشرين لفرض حظر تام على تداول العملات المشفرة، مع معارضة الهند التي تضم أكبر عدد من متداولي العملات المشفرة في العالم.

وبشكل عام لم يبد للآن تأثير سلبي لعودة البيتكوين وأخواتها للانتعاش بعد تراجعها الحاد على الأسواق، ولكنها قد تكون منافسًا بنسبة ضئيلة حالة عودة الاقتصاد العالمي للانتعاش بشكل عام، حيث تشكل “منفذًا” لرؤوس الأموال الفائضة و”المغامرة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى