اقتصاد كويتي

موازنة الكويت بين الأمل واليأس

لم يمض أسبوع على تصريحات وزير المالية الكويتي سعد البراك عن متانة الوضع المالي في بلاده بعد تحقيق موازنة العام الماضي وللمرة الأولى منذ تسع سنوات فائضاً بقيمة 6.368 مليار دينار (20.77 مليار دولار)، حتى أقر مجلس الأمة (البرلمان) موازنة السنة المالية 2023-2024 بعجز متوقع أن يبلغ 6.8 مليار دينار (22.13 مليار دولار)، وفي الوقت الذي اعتبر فيه مراقبون أن ثمة “تناقضاً” بين الموازنتين، أعلن نائب رئيس مجلس الأمة محمد المطير موافقة 47 نائباً على الموازنة واعتراض 12 وامتناع اثنين عن التصويت، وتتضمن الموازنة التي تبدأ في الأول من أبريل (نيسان) إيرادات إجمالية متوقعة قدرها 19.5 مليار دينار ما يفوق (63 مليار دولار)، واعتمدت الموازنة 70 دولاراً سعراً لبرميل النفط مع إيرادات نفطية متوقعة قدرها 17.2 مليار دينار ما يفوق (55 مليار دولار)، وبلغ إجمالي المصروفات المتوقعة 26.3 مليار دينار ما يفوق (85 مليار دولار).

وفي تصريحات لوزير المالية الكويتي “فإن الأشهر الأربعة الأولى من السنة المالية الحالية لم تسجل عجزاً”. أضاف رداً على سؤال وكالة “رويترز” عن كيفية سداد العجز المتوقع في الموازنة في الأشهر المقبلة “سوف ندرس موضوع التمويل عموماً. عندنا مجموعة بدائل سندرسها”.

وخلال الجلسة طالب البراك النواب بإقرار الموازنة ووصفها بأنها “موازنة طوارئ” بعد تعطل ثلاث سنوات حل فيها البرلمان مرتين. وقال إن استراتيجية الكويت لسنة 2035 التي أقرت قبل سنوات لم ينفذ منها شيء، مشيراً إلى أن الحكومة ستعمل على تطويرها لتبدأ في 2024 وتمتد إلى 2040 لأجل تنويع الاقتصاد. وأكد أن الحكومة تطمح إلى توفير 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الـ15 المقبلة.

لا خطط ولا حلول

وفي جلسة برلمانية قال النائب مرزوق الغانم إن “الموازنة تكرار لنظيراتها للأعوام السابقة من دون حلول أو خطة”. أضاف “كل عام نعلن عن أكبر موازنة في تاريخ الكويت لكنه يفترض أن يقترن مع الإعلان إعلان آخر لأكبر نهضة تنموية”.

بيع الإجازات

من جهته أكد مقرر لجنة الميزانيات والحساب الختامي البرلمانية النائب أسامة الزيد أن “الحكومة لم تلتزم موازنة بيع الإجازات الخاصة بموظفي الدولة، ومجلس الخدمة المدنية هو المسؤول عن وضع ضوابط البيع”، مخاطباً الحكومة “لا تضعوا المجلس في مواجهة الشعب، فالقرارات أنتم من أصدرها”.

وفي الجلسة التي أعلن من خلالها الموازنة، قال نائب رئيس الوزراء، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة عيسى الكندري إن “ملاحظات رئيس المجلس والنواب ستكون محل اهتمام، والحكومة مستمرة في تعديل المسار المالي والاقتصادي والسياسي”.

الفائض والعجز المالي

بدوره، قال المحلل الاقتصادي أستاذ الاقتصاد في جامعة “الكويت” علي العنزي “الحديث عن فائض الموازنة كان عن العام الماضي 2022-2023 لأن أسعار النفط ارتفعت بشدة، وبسبب نقص الإمدادات والحرب الروسية – الأوكرانية كان هناك ارتفاع كبير لأسعار النفط إذ وصلت أسعاره لأعلى مستوياته بحدود 120 دولاراً، وكانت في السنة أعلى من سعر التعادل بالموازنة، بالتالي، كان هناك فائض، العام الماضي”. وأوضح العنزي أن “العجز لهذه السنة هو عجز تقديري لم يحصل إلى الآن، فقد بدأت السنة المالية في أبريل الماضي أي قبل أربعة أشهر، وتنتهي السنة في 31 مارس (آذار) 2024، ويتوقع أن يكون العجز بما أن أسعار النفط تتداول أقل من سعر التعادل وهو السعر المرجعي، أو متوسط أسعار النفط خلال السنة المالية”.

والكويت، بحسب العنزي، تحتاج إلى متوسط 92 دولاراً لتصل إلى التعادل “ونتحدث عن الميزانية بما فيها الإيرادات النفطية الداخلة من قبل بيع مشتقات النفط، شركة البترول الوطنية أي مبيعات الدولة”، وبين العنزي أن “بقية شركات النفط والاستثمارات لا تدخل في الموازنة بحسب النظام الأساسي لموازنة دولة الكويت، وبما أن النفط ما زال متداولاً على أقل من سعر التعادل، سيكون هناك عجز هذا العام، ولم يمض سوى أربعة أشهر وتبقى ثمانية أشهر، ومن المعلوم أن أسعار النفط تتحكم بها الأسواق العالمية من جهات عدة، ومنها العرض والطلب، والتوترات في بعض المناطق، وآفاق النمو الاقتصادي العالمي، فالفائض غير معلوم والعجز متوقع”.

وتابع العنزي “دائماً هناك ثلاثة أرقام في الميزانية لبيانات أسعار النفط بما أنه يشكل 92 في المئة من إيرادات الدولة، وهناك سعر يحقق التعادل في الموازنة طوال العام، لا فائض ولا عجز، وهناك سعر تقديري هو ما يتحدثون عنه في العجز في بداية السنة، ويكون تقدير أسعار النفط بمعدل 60 دولاراً وسعر التعادل 90 دولاراً، فهناك عجز 30 دولاراً تعادل ستة إلى سبعة مليارات، إذاً هناك سعر تبنى عليه نفقات وهناك السعر الحقيقي، وصحيح أن هناك فائض ميزانية أو عجزاً، ولكن من النادر أن يكون هناك فائض”. وختم المحلل الاقتصادي “ودائماً نؤكد أن النظام الأساسي للموازنة لم يدخل أرباح المؤسسات أو الصندوق السيادي في الدولة لأن إيرادات الدولة، وما يعلن عن عجز وانخفاض، هو نتيجة معادلة إيرادات النفط الخام والمشتقات في الخارج، وأيضاً الإيرادات الداخلية سواء الرسوم أو الخدمات أو الإيجارات، وما يحدد العجز أسعار النفط لأنها عالمية لا يمكن التحكم بها، وأتمنى أن تصدر بيانات ربع شهرية لموازنات الدولة كما الحال في دول مجلس التعاون الخليجي، ونحتاج إلى بيانات أكثر وتشريعات مالية جديدة”.

تعاون حكومي نيابي

وكانت الصحف الكويتية قد نشرت، في فبراير (شباط) الماضي وقبل مارس، الإعلان عن الفائض لهذا العام والانتهاء من حسابات الميزانية العامة لسنة 2022-2023، وأنه قد أدرج في الميزانية الجديدة 24 ألف فرصة عمل، وزيادة مخصصات الطلبة الدارسين بالخارج والعلاوات والمكافآت وميزانية البعثات الدراسية الخارجية وبعثات التمريض الموسعة والعلاج بالخارج والإعانات وعديد من المشاريع.

أرقام إيجابية

من جانبه، قال المحلل الاقتصادي الكويتي عادل الرومي “في ما يخص قراءتي للموازنة العامة للحكومة أجد أن أرقامها إيجابية جداً بعد تخفيض المصروفات الحقيقية لبعض بنودها، وحققت للمرة الأولى خلال تسع سنوات فائضاً مالياً، ويجب استغلال هذا الفائض لأنها فرصة تقدمها لنا الدورة الاقتصادية لدفع عجلة التنمية وتقديم ما يحتاج إليه المواطن ليصل لمرحلة الرفاهية”. وتابع “ما يطلبه الشارع الكويتي أربعة أمور أساسية، أولها خفض الطلبات القابلة للانتظار في المشكلة السكانية وخفض مدة تسليم البيوت للمواطنين، والأمر الثاني توظيف الشباب الكويتي من الخريجين، ولا بد من إعادة النظر بتكوين الوظائف، والأمر الثالث تطوير التعليم لأنه استثمار ناجح للمثقفين والمتعلمين ليفيدوا بذلك الكويت، والرابع التركيز على الخدمات الصحية. إن توفرت هذه الأولويات سيجد المواطن أن الحكومة نجحت وأنجزت”.

أضاف الرومي “الحكومة ليس لديها عجز بل فائض، والعجز بسبب كورونا، إذ كانت هناك أخطار عالمية وتدنت أسعار النفط، بالتالي تأثرت موازنة الدولة والدول المصدرة للنفط، وأغلب العجز الذي كان في الحكومات السابقة بسبب الجائحة، وقامت الدولة مشكورة برعاية، ولم تستطع الكويت التركيز على التنمية لهذه الأسباب”. وأكد الرومي أن “هذا الفائض فرصة لمساعدة الحكومة في البدء بعملية التنمية الإيجابية في البلاد بالصرف على الخدمات ومنها الصحة والتعليم والتوظيف، إذ تسترجع هذه الأموال لاستثمارها في بناء المشاريع السكنية وبيعها تحت سقف معين على مبدأ استقطاع الأرباح من الشركات العاملة فتتحقق هنا التنمية الإيجابية”.

وختم المحلل الاقتصادي “عليه تستطيع الحكومة تنفيذ رؤية التنمية المستدامة 2040 خصوصاً بعد الظروف الحالية وتوافق السلطتين التنفيذية والتشريعية، والملاحظ الانسجام القوي، وحان الوقت للعمل، أما ما يجب أن نواجهه فهو معضلة القيادات السابقة التي هي على هرم الوزارات والهيئات، والتي تم توظيفها على أساس الواسطة لا الكفاءة، فيجب تعيين الكفاءات، وعلى الحكومة أن تنظر لهذا الموضوع بنظرة ذات أهمية قصوى، لأنها الجهاز التنفيذي أي العصب الذي سيترجم التشريعات والأفكار والخطط إلى أرض الواقع”.

وعلى رغم وجود ثروات نفطية هائلة وصندوق سيادي كبير لدى الكويت، فقد عطلت الخلافات السياسية كثيراً من المشاريع الهادفة لإصلاح الاقتصاد والمالية العامة، فضلاً عن إصدار قانون للدين العام يمكن الحكومة من الاستفادة من أسواق التمويل العالمية في حال انخفاض أسعار النفط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى