اقتصاد دولي

هل تعود شركات المياه للحكومة البريطانية بعد فشل الخصخصة؟

أثارت الأزمات المالية في الشركة التي تزود أكثر من خمس سكان المملكة المتحدة بالمياه، قلقاً في شأن الحالة السيئة للصناعة التي توفر مورداً لا يستطيع الناس العيش من دونه، فالمشكلات أصبحت أكثر حدة في مرفق لندن للمياه الذي تخدمه شركة “زيمس ووتر”، لكن الصناعة الأوسع في “إنجلترا وويلز” تكافح لتقديم خدمة موثوقة تحت وطأة الديون الضخمة المتراكمة منذ بيعها إلى مستثمرين من القطاع الخاص منذ أكثر من 30 عاماً.

يقول أستاذ السياسة الاقتصادية في جامعة أكسفورد ديتر هيلم، إن “قطاع المياه في المملكة المتحدة يمر بوضوح بحالة من الأزمات المتعددة”، مضيفاً “لم يتم إنجاز المهمة اليومية المتمثلة في الحفاظ على الأصول وتحقيق النتائج البيئية المطلوبة بشكل جيد، وفي بعض الحالات بشكل سيئ للغاية الهندسية المالية واسعة النطاق لزيادة توزيعات الأرباح للمساهمين تركت الصناعة في موقف محفوف بالمخاطر”.

وتابع “تسرب مياه الصرف الصحي إلى الأنهار والمياه الساحلية أمر روتيني، والتسرب هائل، والخدمة رديئة، والفواتير مرتفعة، ويمكن أن ترتفع حتى بداية من عام 2025، إذ تجعل جبال الديون من الصعب على الشركات حل هذه المشكلات، على رغم تحسن سجلها في ما يتعلق بالتسرب والصرف الصحي منذ الخصخصة”.

ووفقاً لمنظم المياه “أوف وات”، قامت الشركات بتسريب 51 لتراً من المياه للفرد يومياً بين أبريل (نيسان) 2020 ومارس (آذار) 2021 – وهو ما يكفي لملء أكثر من 1200 حمام سباحة أوليمبي كل يوم.

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قالت “أوف وات”، إن لديها مخاوف متزايدة في شأن الموارد المالية لثمانية من أصل 17 مرفقاً للمياه، يوفرون معاً مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي لأكثر من 37 مليون شخص أو 62 في المئة من السكان”.

أزمة نقدية تلوح في الأفق

سلطت الأضواء على مشكلات الصناعة المستمرة منذ فترة طويلة بسبب أزمة نقدية تلوح في الأفق في “زيمس ووتر” التي تخدم 15 مليون شخص في لندن وجنوب شرقي إنجلترا. وقالت أكبر شركة مياه بريطانية، الأسبوع الماضي، إنها “ستحتاج إلى جمع مزيد من السيولة من المستثمرين لدعم خطة التحول”، وبعد أيام غرمت محكمة بريطانية الشركة 3.3 مليون جنيه استرليني (4.2 مليون دولار) بعد إقرارها بالذنب في تلويث أحد الأنهار في عام 2017.

إلى ذلك تحاول “زيمس ووتر” جمع مليار جنيه استرليني (1.3 مليار دولار) إضافي من المساهمين على مدار عام، لكن المستثمرين، الذين ضخوا 500 مليون جنيه استرليني (638.6 مليون دولار) في الشركة في مارس الماضي أصبحوا أكثر قلقاً في شأن التحول الناجح للشركة، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي لـ”أوف وات”، ديفيد بلاك، أمام لجنة من المشرعين هذا الأسبوع.

فيما اقترح رئيس “أوف وات” إيان كاوتشر، إن “الشركة قد تحتاج إلى مزيد من المال”، مضيفاً “هناك محادثات جارية حول المليار جنيه استرليني (1.3 مليار دولار) المتبقية، حول ما إذا كان ذلك كافياً”.

في غضون ذلك قد تكون شركة “زيمس ووتر” في حاجة إلى الأموال بشكل ملح، نظراً إلى تراكم ديونها البالغة 14 مليار جنيه استرليني (17.5 مليار دولار) والأداء الضعيف باستمرار، ولكنها ليست وحدها التي تحتاج إلى الاستفادة من المستثمرين.

وقال بلاك “أتفهم أن مزيداً من الشركات ستعلن نجاحها في زيادة رأس المال في المستقبل القريب”، مشيراً إلى أن شركة “يوركشاير ووتر” حصلت أخيراً على 500 مليون جنيه استرليني (638.6 مليون دولار) من المستثمرين، موضحاً أن “المستثمرين الحاليين قد لا يكون لديهم شهية لاستثمار مزيد من الأموال في شركات المياه، وفي هذه الحالة يجب العثور على مستثمرين جدد، أو يتعين على حكومة المملكة المتحدة النظر في الملكية العامة الموقتة كملاذ أخير”.

كيف أصبحت بهذا السوء؟

عمليات خصخصة شركات المياه في إنجلترا وويلز تمت في ظل حكومة مارغريت تاتشر المحافظة في عام 1989 مبررة ذلك آنذاك أنه يطلق العنان للاستثمار الهائل المطلوب لتحديث شبكة الصرف الصحي في بريطانيا في تلك الفترة، لكن لم يتحقق ما يكفي.

من جهته يقول الأستاذ الزائر في وحدة الأبحاث الدولية للخدمات العامة بجامعة غرينتش في لندن ديفيد هول، “لقد سحبت الأموال، ولم تدخل مرة أخرى”، مضيفاً “أن شركات المياه في إنجلترا وويلز دفعت مجتمعة أرباحاً بقيمة 75 مليار جنيه استرليني (95.6 مليار دولار)، عند تعديلها وفقاً للتضخم، منذ الخصخصة، وتم تمويل كثير من هذه المدفوعات من خلال مبالغ ضخمة من الاقتراض الجديد”.

وأشار إلى أن أكثر من 60 مليار جنيه استرليني (76.5 مليار دولار من الديون) تراكمت على نفس الشركات منذ الخصخصة”، قائلاً “كانت خالية من الديون في تلك الفترة”، بينما جمعت القليل من الأموال الجديدة من المساهمين.

وقال هول “في كل عام تقريباً منذ الخصخصة، لم تضخ رؤوس أموال إضافية من قبل المساهمين، وعوضاً عن ذلك، تم تمويل استثمارات بنحو 190 مليار جنيه استرليني (242 مليار دولار) إلى حد كبير من زيادة قيمة فواتير المستهلكين، إذ زادت بنحو 40 في المئة خلال هذه الفترة”، قائلاً “هذا ما تسبب في تفاقم أزمة التضخم”.

وتابع ديفيد هول يتعرض القطاع الآن لضغوط مالية متزايدة مع ارتفاع أسعار الفائدة وتحويل مزيد من الأموال من فواتير العملاء نحو خدمة الديون، وهو وضع يزداد سوءاً بسبب انتشار الديون المرتبطة بالتضخم، ما يؤدي إلى ارتفاع كلفة الاقتراض مع ارتفاع الأسعار”، لافتاً إلى أنه في ظل تلك المعطيات يتعين على شركات المياه استثمار 56 مليار جنيه استرليني أخرى (71.4 مليار دولار) بحلول عام 2050 لتحديث البنية التحتية ومعالجة انسكاب مياه الصرف الصحي، التي بلغ عددها أكثر من 300 ألف في العام الماضي.

وأمام لجنة المشرعين، قال رئيس “أوف وات”، إنه “عندما تنظر إلى حجم العمل المطلوب على مدى السنوات الخمس المقبلة وما بعدها فإن حجم المال ضخم”، مؤكداً “نحن قلقون للغاية في شأن التأثير في مشاريع القوانين”.

هل سيتم تأميم مياه التايمز؟

في تلك الأثناء عقدت حكومة المملكة المتحدة محادثات طارئة حول مستقبل “زيمس ووتر”، التي تعتمد على نظام تقاعد موظفي بلدية أونتاريو أكبر مساهم فيها، بينما وضعت وكالة “ستاندرد أند بورز غلوبال ريتينغ” ديون الشركة تحت مراقبة التصنيفات السلبية الأسبوع الماضي، مما يعني أنها معرضة لخطر تخفيض التصنيف.

وقالت الوكالة، إن “الاستقالة المفاجئة قبل أيام من الرئيس التنفيذي للشركة، سارة بنتلي تزيد من المخاطر على تنفيذ خطة التحول، وسط حالة من عدم اليقين في شأن توقيت عمليات ضخ المساهمين الإضافية”.

إلى ذلك إذا فشلت “زيمس ووتر”، في جمع أموال جديدة، فقد يتم إجبارها على نظام إدارة خاص، وهو شكل من أشكال الإعسار المالي الذي يضمن الحفاظ على الخدمات للعملاء بينما تحاول الحكومة العثور على مشتر للأعمال.

وعن ذلك قال الرئيس التنفيذي لـ”أوف وات”، إن “هذا هو خيار الدعم”، مستدركاً “لكن ما زلنا بعيدين عن هذا الموقف”.

من جانبه يقول “هيلم”، من جامعة أكسفورد، إن “هيكل ملكية صناعة المياه يجب أن يتغير”، مضيفاً “سيكون هناك كثير من الضحايا على طول الطريق”، فيما قال “هول”، من جامعة غرينتش، إنه “على الحكومة أن تجد طريقة لإعادة شركات المياه إلى الملكية العامة، كما فعلت مع شبكة السكك الحديدية، موضحاً “لا يوجد بلد آخر في العالم باع النظام بأكمله لشركات خاصة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى