اقتصاد دولي

كيف ينجو اقتصاد مصر من مقصلة خفض التصنيف الائتماني؟

في خضم المعركة مع معدلات التضخم المرتفعة واستمرار أزمة شح الدولار، تبقى أعين الحكومة المصرية على التصنيف الائتماني، وتراقب من كثب توجهات وكالات التصنيف الدولية. وتراهن الحكومة على 6 إجراءات أعلنتها منذ الربع الأول من العام الماضي، سواء ما يتعلق بتخفيض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، أو الحصول على شهادة ثقة من صندوق النقد الدولي بعد موافقته على تمويل جديد، أو تسريع وتيرة تنفيذ برنامج الطروحات، مع تعزيز عائدات السياحة وموارد قناة السويس، إضافة إلى تعزيز تحويلات المصريين العاملين في الخارج.

كانت وكالة “موديز”، للتصنيف الائتماني، قد أعلنت في نهاية فبراير (شباط) الماضي، خفض تصنيف مصر السيادي درجة واحدة إلى B3 من مستوى B2، مشيرة إلى تراجع احتياطاتها من النقد الأجنبي وقدرتها على امتصاص الصدمات الخارجية. وغيرت الوكالة نظرتها المستقبلية لمصر إلى مستقرة من سلبية.

وقالت “موديز” إنها لا تتوقع انتعاش السيولة في مصر وتحسن وضعها الخارجي سريعاً. ولا تزال مصر تواجه نقصاً في النقد الأجنبي على رغم السماح للجنيه المصري بالانخفاض الحاد في الأشهر القليلة الماضية. وعلى خلفية الأزمة التي تشهدها سوق الصرف، خفضت الوكالة سقف الجنيه المصري إلى Ba3 مقارنة بنحو Ba2.

أزمات التضخم والفائدة وخسائر الجنيه المصري

وأشار وزير المالية المصري محمد معيط، إلى أن قرار مؤسسة “موديز” باستمرار وضع التصنيف الائتماني السيادي لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية والنظرة المستقبلية تحت المراجعة السلبية لمدة 3 أشهر إضافية، يعكس نظرتها المتوازنة للخطوات والإجراءات الإصلاحية الأخيرة المتخذة خلال الأشهر الماضية، ويبدي تفهمها لما يواجه الاقتصاد المصري من صعوبات وتحديات خارجية وداخلية، تؤثر سلباً على المؤشرات الاقتصادية الكلية، موضحاً أننا نعمل على تحقيق المزيد من الإصلاحات والإجراءات الهيكلية خلال الأشهر المقبلة للتعامل مع التحديات الراهنة، التي تواجه الاقتصاد المصري بصفة عامة وتلك التي أشار إليها تقرير “موديز”.

وأوضح أن الوكالة التي وضعت التصنيف الائتماني السيادي لمصر قيد المراجعة السلبية خلال مايو (أيار) 2023، استندت في قرارها باستمرار المراجعة لثلاثة أشهر إضافية، إلى ما استطاعت أن تتخذه الحكومة المصرية أخيراً من إصلاحات هيكلية مهمة ومحفزة للاستثمار وداعمة لتحسين بيئة الأعمال وتمكين القطاع الخاص، لتعزيز دوره وزيادة مساهماته في النمو الاقتصادي، إذ تم إقرار تعديلات قانونية تسمح بإلغاء الإعفاءات الضريبية والجمركية على الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية للجهات والشركات المملوكة للدولة، الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز المنافسة العادلة بالسوق المصرية.

وأشار إلى أنه تم تنفيذ صفقات لتخارج الدولة بقيمة 1.9 مليار دولار ضمن برنامج الطروحات الحكومية بما يساعد على زيادة تدفقات النقد الأجنبي، ويوفر جزءاً من التمويل الأجنبي المطلوب لتغطية حاجات الاقتصاد المصري، فضلاً عن استمرار تحقيق فائض أولي ونمو الإيرادات الضريبية، لافتاً إلى أن مؤسسة “موديز” توقعت أن تستمر الحكومة في تنفيذ المزيد من الإجراءات الإصلاحية خلال الفترة المقبلة.

وذكر أن “موديز” استندت أيضاً وأشارت بإيجابية إلى الأداء المالي القوى المحقق خلال العام المالي 2022/2023، إذ استطاعت وزارة المالية التعامل بشكل متوازن مع كل المتغيرات والتحديات الراهنة على الساحتين العالمية والداخلية من ارتفاع في معدلات التضخم وأسعار الفائدة وانخفاض لقيمة العملة المحلية بأكثر من 50 في المئة أمام الدولار، وتحقيق فائض أولي 1.63 في المئة من الناتج المحلي مقارنة بفائض أولي 1.3 في المئة من الناتج المحلي خلال العام المالي 2021/2022، وبلغ العجز الكلي للموازنة 6 في المئة من الناتج المحلي مقارنة بنحو 6.1 في المئة خلال العام المالي 2021/2022.

وأكد أنه تم تحقيق هذه النتائج المالية على رغم زيادة المخصصات المالية الموجهة للحماية الاجتماعية من خلال التوسع في برنامج “تكافل وكرامة” بإضافة مليون أسرة ليصل إجمالي الأسر المستفيدة 5.2 مليون أسرة بما يعادل نحو 20 في المئة من إجمالي السكان، وزيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات من أجل حماية الفئات الأكثر عرضة للتقلبات الاقتصادية للتعامل مع ارتفاع معدلات التضخم وتداعيات تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.

وتمكنت وزارة المالية من تحقيق نمو قوي في حصيلة الإيرادات الضريبية بنسبة 27.5 في المئة نتيجة لجهود الميكنة وتحسين الإدارة الضريبية ومكافحة التهرب والتجنب الضريبي، وقد توقعت الوكالة استمرار تحقيق الانضباط المالي بمواصلة تنفيذ إجراءات ميكنة المنظومة الضريبية، إضافة إلى جهود الحكومة لترشيد النفقات خلال العام المالي 2023/2024، بما يضمن تحقيق فائض أولي 2.5 في المئة من الناتج المحلي، بما يعتبر من العوامل الإيجابية التي قد تسهم في تحسن التصنيف الائتماني السيادي لمصر وتحسين النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري خلال الأعوام التالية، ويساعد الدولة على خفض نسبة الدين للناتج المحلي لأقل من 80 في المئة بحلول العام المالي 2026/2027.

التوسع في برامج الحماية الاجتماعية

وأشار الوزير المصري، وفق بيان حديث، إلى أن حكومة بلاده حريصة على زيادة الإنفاق الاجتماعي بالموازنة العامة، للتخفيف الجزئي من تأثير الأزمة الاقتصادية على الفئات الأولى بالرعاية من خلال زيادة الأجور والمعاشات بشكل كبير، وزيادة التحويلات والمخصصات لمصلحة برنامج “تكافل وكرامة”، لافتاً إلى أن مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية بموازنة العام الحالي تصل إلى 530 مليار جنيه (17.152 مليار دولار) بمعدل نمو سنوي يبلغ 20 في المئة من أجل تخفيف الأعباء على المواطنين، والفئات الأولى بالرعاية قدر المستطاع.

وشدد أحمد كجوك، نائب الوزير للسياسات المالية والتطوير المؤسسي، على أهمية مواصلة دفع جهود تعزيز دور القطاع الخاص وزيادة مساهماته في النشاط الاقتصادي من خلال تنفيذ الإجراءات والإصلاحات المطلوبة لتحسين بيئة الأعمال وزيادة المنافسة وتعزيز الحياد التنافسي بالسوق المصرية، بما يحقق معدلات نمو قوية ومستدامة خلال الفترة المقبلة مدفوعة بالأساس من القطاع الخاص، لافتاً إلى ضرورة تكاتف جهود كل جهات الدولة لتشجيع وجذب استثمارات القطاع الخاص بما فيها الاستثمارات الأجنبية المباشرة ودفع قطاع التصدير والأنشطة الإنتاجية.

وأضاف أن مؤسسة “موديز” أوضحت في سياق تقريرها أنها قد تبقي على التصنيف الحالي لمصر من دون أي تعديل سلبي إذا تمت زيادة القدرة على جذب المزيد من التدفقات بالعملات الأجنبية للاقتصاد المصري باعتبار ذلك موارد إضافية، يمكن تحقيقها من خلال الإسراع ببرنامج الطروحات والتخارج خلال الفترة المقبلة، بما يعزز قدرة الدولة المصرية على تغطية حاجاتها التمويلية والخارجية خلال العامين المقبلين، ويسهم أيضاً في تعزيز احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، والحد من الاحتياج إلى الاقتراض الخارجي، ومن ثم خفض فاتورة خدمة الدين، على نحو يساعد في زيادة ثقة المستثمرين والمؤسسات في قدرة الاقتصاد المصري على التعامل مع المديونية الخارجية، موضحاً أن استمرار الانضباط المالي والقدرة على دفع معدلات نمو الإيرادات الضريبية كان محل إشادة من خبراء مؤسسة “موديز”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى