اقتصاد دولي

هل فقدت لندن جاذبيتها للاستثمار بعد “بريكست”؟

تغلبت نيويورك على لندن لتفوز برغبة مصمم الرقائق البريطاني “آرم ليميتد”، للإدراج في بورصة نيويورك، وهي خطوة تؤكد الجاذبية المغناطيسية للولايات المتحدة للشركات الكبرى وتقلص صورة المملكة المتحدة كعاصمة مالية عالمية.

وكانت هيمنة نيويورك على لندن نمت بمرور الوقت، وفي نهاية العام الماضي بلغت القيمة السوقية المجمعة للشركات المدرجة في بورصتي نيويورك وناسداك 40.3 تريليون دولار، أي ما يقرب من 13 ضعف بورصة لندن (3.1 تريليون دولار) وفقاً لبيانات الاتحاد العالمي للبورصات.

وقبل عقد من الزمن كانت القيمة السوقية المجمعة في البورصتين الأميركيتين نحو ستة أضعاف إجمالي القيمة السوقية لبورصة لندن، كما تظهر بيانات “دبليو أف أي”.

وأصبحت “آرم” الأحدث بين مجموعة من الشركات التي رفضت لندن لصالح الولايات المتحدة. ويقول التنفيذيون إن نيويورك لديها مجمعات أعمق من رأس المال وقاعدة مستثمرين أكثر حيوية على استعداد لدفع مزيد مقابل الأسهم أكثر من الأسواق الأخرى.

واختارت “آرم” الإدراج في نيويورك بسبب الحجم الأكبر والسيولة الأكثر قوة في الأسواق الأميركية، وستتخذ القرار بين بورصتي نيويورك وناسداك في الأسابيع المقبلة، وفقاً لأشخاص مطلعين على تفكير الشركة.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة “آرم” رينيه هاس الجمعة إن الإدراج في الولايات المتحدة هو “أفضل طريق للمضي قدماً للشركة وأصحاب المصالح فيها”.

نيويورك ولندن ونضال لعقود 

وناضلت نيويورك ولندن لعقود لتكونا أكبر أسواق رأس المال في العالم، جنباً إلى جنب مع المراكز المالية الأخرى، مثل هونغ كونغ وسنغافورة وطوكيو. وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدت دفعة لإلغاء القيود في المملكة المتحدة إلى إثارة التوتر في نيويورك بسبب احتمال خسارة القدرة التنافسية، كما أعرب المسؤولون التنفيذيون عن قلقهم من أن تتفوق لندن على “وول ستريت” في جذب الشركات الكبرى للإدراج في سوق الأسهم وبيع السندات وتداول الأوراق المالية.

لكن العقد ونصف العقد الماضي شهد تحولاً في الثروات تجاه أسواق الأسهم الأميركية في الولايات المتحدة، إذ ارتفعت قيمتها بشكل كبير متفوقة على أقرانها بفضل صعود الشركات العملاقة التي تحركها التكنولوجيا مثل “أبل إنك” و”مايكروسوفت كورب” و”تيسلا إنك”.

 و”آرم” هي واحدة من أهم شركات أشباه الموصلات التي تعمل خلف الكواليس في العالم وهي مملوكة لشركة “سوفت بنك غروب كورب” اليابانية للاستثمار التكنولوجي، وتعمل تقنياتها على تشغيل الرقائق في أكثر من 95 في المئة من الهواتف الذكية، وقد كافحت السلطات البريطانية على مدى أشهر لإقناع مالكيها بإدراج الشركة في لندن بجانب نيويورك.

وكانت “آرم” تخلت عن خططها في العام الماضي لبيعها لشركة “أن فيديا كورب” الأميركية، والتي أيدها آنذاك مؤسس “سوفت بنك” ماسايوشي سون لاستخراج أقصى قيمة من الشركة. وتم إدراج شركة “آرم” في لندن قبل أن تحصل عليها “سوفت بنك” في عام 2016 مقابل 32 مليار دولار.

وقد يؤدي الإدراج في بورصة نيويورك إلى رفع قيمة “آرم” بأكثر من 50 مليار دولار، وفقاً للمحللين، على رغم أن “سوفت بنك” ستسعى إلى الحصول على رقم أعلى، على أمل أن يؤدي قطاع الرقائق المزدهر والمقارنات مع شركات الرقائق المدرجة في الولايات المتحدة إلى زيادة جاذبية “آرم”، وبهذا الحجم ستكون بالقرب من أكبر 10 أسهم في المملكة المتحدة، لكن فقط نحو 150 من أكبر الأسهم في مؤشر “أس أند بي غلوبال 500”.

وقال العضو المنتدب في “غلوبال ماركتس أدفايسري غروب” لو باستينا، وهي شركة استشارية مقرها نيويورك “سوف يأتون إلى هنا، لأن هذا هو المكان الذي توجد فيه الأموال”.

البورصة البريطانية 

على النقيض من ذلك تظل أسواق المملكة المتحدة خاضعة لسيطرة البنوك ذات النمو البطيء وشركات الطاقة وأسماء المستهلكين، فعديد منها، مثل “بريتش أميركان توباكو بي أل سي” و”أتش أس بي سي هولدينغ بي أل سي” و”بريتيش بيتروليوم بي أل سي”، لها تاريخ يمتد إلى وقت كانت المملكة المتحدة إمبراطورية استعمارية، في حين أن شركات التكنولوجيا القليلة صغيرة ولا يمكن مقارنتها بشركة “آرم”.

ويبقى الدافع الرئيس للشركات التي تفضل الإدراج في نيويورك هو التقييمات الأعلى التي يقدمها المستثمرون للشركات، فلا يسمح عديد من المستثمرين الأفراد والمؤسسات في الولايات المتحدة لأنفسهم بشراء الأوراق المالية في البورصات الأجنبية أو لا يمكن إزعاجهم بتحمل أخطار العملة والعقبات الأخرى التي تأتي مع الاستثمار في الخارج.

أيضاً يلعب الاقتصاد الأميركي المزدهر ونمو عديد من الشركات المملوكة في الخارج بالولايات المتحدة دوراً مهماً.

وقالت “سي أر أتش”، وهي شركة إنشاءات مقرها دبلن ومدرجة في لندن هذا الأسبوع، إنها تخطط للانتقال إلى الإدراج في نيويورك، في حين وصف هذا التحول بأنه خطوة منطقية لأن الشركة تولد نحو 75 في المئة من مقياس ربح رئيس في أميركا الشمالية، وتراهن على أن هذه الخطوة ستولد مزيداً من “الفرص التجارية والتشغيلية والاستحواذ”.

كما قالت شركة المراهنات الرياضية والمقامرة المدرجة في المملكة المتحدة “فلاتر إنترتينمنت بي أل سي” الشهر الماضي، إنها تدرس إدراجاً إضافياً في الولايات المتحدة ليمنحها الوصول إلى أسواق رأسمالية أعمق ومصدراً جديداً للمستثمرين المحليين الأميركيين.

أيضاً شركة” فيرغسون بي أل سي”، وهي مورد لمعدات السباكة مقرها المملكة المتحدة، التي اتجهت إلى بورصة نيويورك مكانها التجاري الرئيس في مايو (أيار) 2022، ومنذ ذلك الحين، توسع تقييم الشركة بنحو 18 في المئة ليتداول بأكثر من 15 ضعفاً من الأرباح المتوقعة، وفقاً لـ”فاكت سيت”.

وقال المحلل في مورننغ ستار بريان برنارد، لـ”وول ستريت جورنال”، “لا يمكنك أن تنسب كل التوسعات المتعددة إلى بورصة نيويورك، لكنها ساعدت بالتأكيد”.

وقالت الرئيس التنفيذي لبورصة لندن جوليا هوغيت، وهي وحدة تابعة لمجموعة بورصة لندن، إن انتقال “آرم” إلى الولايات المتحدة يوضح “حاجة المملكة المتحدة إلى إحراز تقدم سريع في أجندة الإصلاح التنظيمي والسوقي، بما في ذلك معالجة مقدار رأس المال للأخطار لدفع النمو”.

تغييرات في قواعد الإدراج 

من جهتها اقترحت حكومة المملكة المتحدة وبورصة لندن للأوراق المالية تغييرات على قواعد الإدراج والإجراءات الأخرى التي تأمل في تنشيط اهتمام المستثمرين في أسواق المملكة المتحدة.

كما يلقي المسؤولون التنفيذيون في لندن باللوم على المشكلات المحلية التي أعادت بريطانيا إلى الوراء مقارنة بنيويورك، إذ أشاع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حالة من عدم اليقين في دور لندن كمركز مالي لأوروبا، كما تلاشت طفرة في الاكتتابات العامة الأولية لشركات التعدين والطاقة من الاتحاد السوفياتي السابق قبل عقد من الزمان، مما أدى إلى إبعاد المستثمرين عن قوائم جديدة.

ويشير كثيرون أيضاً إلى تغيير في كيفية قيام صناديق التقاعد في المملكة المتحدة، التي كانت ذات يوم مورداً ضخماً لرأس المال إلى سوق الأوراق المالية، بتحويل كثير من قوتها المالية.

وفي عام 2000 كانت 40 في المئة من الأسهم في بورصة لندن مملوكة لصناديق التقاعد في المملكة المتحدة، ووفقاً لـ”أل أس أي” فإن نحو ربع حيازات صناديق التقاعد في المملكة المتحدة هي أسهم، بينما في الولايات المتحدة فإن ثلثي حيازات صناديق التقاعد الأميركية في الأسهم.

وقال بن غولد، رئيس الاستثمار في مجموعة “إكس بي أس بينشونز غروب”، وهي شركة معاشات تقاعدية مقرها المملكة المتحدة، إن تحرك صناديق التقاعد بعيداً من سوق الأسهم كان مدفوعاً جزئياً بالتغييرات التنظيمية في متطلبات تمويل خطط المعاشات التقاعدية لضمان حصولها على أموال كافية للمتقاعدين.

وأضاف أن هذا الاتجاه كان مشحوناً في الخريف الماضي عندما أجبر الارتفاع الحاد في عائدات السندات الحكومية في المملكة المتحدة الأموال على تلبية طلبات الضمان عن طريق بيع الأصول السائلة، بما في ذلك الأسهم المدرجة التي بقيت في محافظها.

ويقول التنفيذيون البريطانيون إن المستثمرين في بلدانهم الأصلية يميلون إلى تجنب الأخطار أكثر من نظرائهم الأميركيين.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة تطوير الأدوية “ميروي بايوفارما غروب بي أل سي” ومقرها لندن، دينيس سكوتس نايت، إن “هناك خبرة كبيرة في الاستثمار بالولايات المتحدة مقارنة ببريطانيا”.

وجمعت شركة “ميروي”، التي لديها عديد من الأدوية في التجارب السريرية، ما يقرب من نصف مبلغ الـ65 مليون دولار الذي استهدفته عندما تم طرحها للاكتتاب العام في لندن عام 2016. وأدرجت الشركة لاحقاً في الولايات المتحدة من خلال اندماج عكسي وجمعت ما يقرب من 200 مليون دولار وأسقطت الإدراج في بورصة لندن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى