اقتصاد دولي

هل يواصل «الفيدرالي الأميركي» رفع أسعار الفائدة؟

خلقت البيانات الاقتصادية الأميركية المتتالية أجواء ضبابية حول السياسة النقدية التي سيتبعها مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الفترة المقبلة، لمكافحة مستويات التضخم المرتفعة العام الحالي، وهو ما يرجح استمرار وتيرة رفع أسعار الفائدة، إذ يتوقع بعض المحللين استمرار البنك في سياسته النقدية المتشددة، في المقابل يتكهن آخرون بتوقف «الفيدرالي» عن سياسته المتبعة منذ عام 2022، التي استمرت حتى آخر اجتماعات البنك. في تلك الأثناء، زادت أرقام التوظيف في الاقتصاد الأميركي، الاقتصاد الأكبر في العالم، عن مارس (آذار) الماضي الصادرة الجمعة من احتمالات أن يرفع «الفيدرالي الأميركي» سعر الفائدة مجدداً في اجتماعه المقبل في مايو (أيار) 2023.
236 ألف وظيفة الشهر الماضي
البيانات الصادرة أظهرت أن الأعمال الأميركية أضافت نحو 236 ألف وظيفة الشهر الماضي، بزيادة طفيفة عن توقعات السوق، كما انخفضت معدلات البطالة بشكل طفيف من 3.6 في المئة إلى 3.5 في المئة، أي أقل من توقعات السوق بنسبة طفيفة أيضاً، ورغم ذلك يرى البعض أن تلك الزيادة في قوة العمل لا تبدو قوية، وتظل أضعف من الارتفاع في معدلات التوظيف في الأشهر السابقة.
تلك الأرقام لم تمنع الأسواق من تعديل توقعاتها بزيادة احتمال أن يرفع «الاحتياطي» سعر الفائدة مجدداً الشهر المقبل، إذ توقع كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «أليانز» محمد العريان، على صفحته في مواقع التواصل أن يرفع «الفيدرالي» سعر الفائدة في اجتماعه المقبل بعد بيانات سوق العمل الأخيرة.
هل يستمر «الفيدرالي» في محاربة التضخم في ظل أزمة البنوك؟
وأضاف العريان أن «استمرار توفير الوظائف، بما في ذلك في قطاع الخدمات يشكل مفاجآت نشاط في الاقتصاد». لافتاً إلى أنه «من المشجع أن نرى ارتفاع مساهمة قوة العمل في الاقتصاد وانخفاض نسبة البطالة، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام رفع الاحتياطي نسبة الفائدة بربع نقطة مئوية». في وقت سابق لمح «الفيدرالي» في آخر بيان له إلى احتمال وقف توجه التشديد النقدي (رفع سعر الفائدة، وسحب السيولة من الأسواق)، خصوصاً مع وقوع أزمة انهيار البنوك في الولايات المتحدة مطلع الشهر الماضي، التي يمكن أن تزيد من القيود على سوق الائتمان.
تفاؤل حذر:- بيانات سوق العمل أحد أبرز العوامل التي يرتكز عليها «الاحتياطي الفيدرالي» في اتخاذ قراراته، وتحديد سياسته النقدية، باعتبارها أحد المحددات الرئيسة التي لها تأثير واضح في مستويات التضخم.
ورغم جرعة التفاؤل مع زيادة أعداد التوظيف الشهر الماضي، فإن معدلات الزيادة جاءت أقل مما كانت عليه في الأشهر السابقة، بعد أن أضافت سوق العمل في الولايات المتحدة 472 ألف وظيفة جديدة في يناير (كانون الثاني) الماضي كما أضافت 326 ألف وظيفة في فبراير (شباط) 2023.
ويشير تباطؤ الزيادة في معدلات التوظيف إلى أن سوق العمل تكاد تتشبع، بالتالي لن تكون الزيادة في معدلات الأجور كبيرة، بما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، إذ إن زيادة الدخول ترفع الإنفاق الاستهلاكي، وهو المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي ولمعدلات التضخم أيضاً. إلى ذلك أظهرت البيانات الصادرة الجمعة الماضي أنه رغم تباطؤ الزيادة في معدلات التوظيف، فإن الأجور مستمرة في الارتفاع، بعد أن ارتفع الدخل على كل ساعة عمل الشهر الماضي بنسبة 0.3 في المئة، مقابل ارتفاع بنسبة 0.2 في شهر فبراير الماضي، مما زاد من توقعات الأسواق باحتمال رفع البنك المركزي سعر الفائدة.
احتمال رفع أسعار الفائدة 49.2 في المئة
في غضون ذلك أظهر مسح لمؤشر مراقبة الاحتياطي التابع لمؤسسة «سي أم إي» الخميس الماضي أن نسبة احتمال رفع سعر الفائدة في اجتماع الشهر المقبل عند 49.2 في المئة، قبل يوم واحد من الإعلان عن أرقام سوق العمل والتوظيف، وبمجرد إعلان الأرقام ارتفعت نسبة احتمال زيادة الفائدة إلى 69.4 في المئة على المؤشر ذاته. مع إغلاق السوق الأميركية الجمعة بسبب عطلة عيد الفصح، أشارت بيانات عقود الأسهم المستقبلية لمؤشري «ستاندرد أند بورز 500» القياسي ومؤشر «ناسداك» لشركات التكنولوجيا إلى الارتفاع مما يعني أن الأسواق الأميركية ستفتح تعاملاتها الإثنين على ارتفاع في مؤشراتها.
هذا إلى جانب ارتفاع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين، وهي الأكثر حساسية لأسعار الفائدة، قليلاً إلى نسبة 3.95 في المئة، ذلك يعكس تفاؤلاً حذراً، على رغم مواصلة المتخصصين في الاقتصاد في إطلاق التوقعات التي تشير إلى إمكانية دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود قبل نهاية 2023، إذ إن رفع سعر الفائدة بربع نقطة الشهر المقبل سيجعل نطاق الفائدة الأساسية يزيد على نسبة خمسة في المئة وهو ما قد يشكل ضغطاً على النمو.
استمرار المخاوف:- ومع تباين مؤشرات الاقتصاد الأميركي، خصوصاً مع انكماش الناتج الصناعي في الأشهر الأخيرة، بعد أن كان أخذ في النمو من قبل، يظل هناك من يرى أن احتمالات الركود قائمة.
وتعليقاً على تقرير الوظائف الأميركية، قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن «ضعف النمو في التوظيف خلال الشهر الماضي يضاف إلى المؤشرات الأخرى التي تدل على تباطؤ النشاط الاقتصادي الأميركي بعد القوة الواضحة التي أظهرها مطلع العام».
إلى ذلك توقع كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات «بانثيون ماكرو إيكونوميكس»، إيان شيبردسون، في تصريحات لـ»التايمز»، تباطؤ نمو معدلات التوظيف في الاقتصاد الأميركي أكثر في الأشهر المقبلة، مضيفاً أن «معدل التوظيف في الأشهر الستة الماضية يزيد على 200 ألف قليلاً وآخذ في التباطؤ»، مشيراً إلى «أن ذلك المنحنى سيتغير، خصوصاً مع الزيادة في طلبات إعانات البطالة، في ظل تراجع خطط التوظيف لدى الأعمال والشركات».

مع ذلك لا يمكن اعتبار هذا التباطؤ في نمو سوق العمل كافياً لكي يتوقف «الاحتياطي الفيدرالي» عن رفع سعر الفائدة، كما أوضح العريان في أكثر من مقابلة مع شبكات التلفزيون الأميركية في الأيام الأخيرة، إذ قال إن «تأخر البنك المركزي في مواجهة ارتفاع التضخم سيضطره إلى رفع الفائدة بقوة في فترة قصيرة، وهو ما يمكن أن يهدر فرص النمو».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى