مختارات اقتصادية

انتبه من فضلك .. في سوق الأسهم صحتك النفسية تدفع ثمناً باهظاً

هل تعلم أن معدلات الانتحار في الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 25% بين عامي 1929 و1932 بسبب تأثيرات أزمة الكساد الكبير، وفي كافة الأزمات الاقتصادية اللاحقة كان هناك ارتباط وثيق بين معدلات الانتحار المرتفعة والظروف الاقتصادية المتراجعة؟
بل وكشف استطلاع رأي حديث لجامعة “بوردو” أن 73% ممن استطلعت آراءهم يرون أن الأمور المالية هي الأكثر إثارة لقلقهم، بينما لم تتعد النسبة 50% في القلق على العمل وعلى شؤون الأسرة.
سوق الأسهم قد تؤدي للمستشفى
إذا كان هذا هو التأثير “العام” للتقلبات الاقتصادية والمالية على الصحة النفسية ودفعها للتدهور فلا شك أن تأثير الأمر يكون أشد على الأكثر انغماسًا في الشؤون الاقتصادية، ولا سيما من يتعامل في سوق الأسهم.
وعلى الرغم من الكم الكبير للنصائح التي تطالب المتعاملين في سوق الأسهم بالتزام الهدوء وتجنب الفزع حفاظًا على صحتهم أولًا، وللالتزام بخطة استثمارية واضحة ثانيًا فإن هذا الأمر من النادر أن يتحقق.
وكشفت دراسة تايوانية عن أن انخفاض سوق الأسهم بـ1000 نقطة يؤدي إلى زيادة التردد على العيادات النفسية بنسبة 5.32% بين الرجال و3.81% للنساء، بينما أشارت دراسة أمريكية أخرى إلى أن تراجع السوق لمدة أسبوعين يؤدي لزيادة التردد على العيادات بشكل عام بنسبة 0.5%.
ووجدت دراسة لجامعة “كاليفورنيا” أجريت بين 1983-2011 علاقة متصلة ومستمرة بين التقلبات اليومية في سوق الأسهم ولجوء المتعاملين فيها إلى المستشفيات، ولأن الدراسة أجريت على مدى 28 عامًا فهي دليل قاطع على فداحة التأثير النفسي لسوق الأسهم على المتعاملين فيه.
والشاهد أن كثيرا من المتعاملين في الأسواق يشكون أعراضًا مثل الصداع أو الاضطرابات المعوية، ويشير كثير منهم إلى أنهم يصابون بتلك الأعراض فقط عندما يتعاملون في الأسهم أو يفكرون فيها أو تمر سوق الأسهم بفترة اضطرابات كبيرة.
القلق للجميع
وقدرت الدراسة أن القلق حول أسواق المال يكبد فاتورة الرعاية الصحية الأمريكية حوالي 650 مليون دولار سنويًا على الأقل، حيث إن كل انخفاض في السوق بنسبة 1.5% يعقبه ارتفاع في اللجوء في المستشفيات في اليومين التاليين بنسبة 0.26% على الأقل.

والشاهد هنا أن “القلق” الذي يصيب المتعاملين في الأسواق يتنامى باستمرار مع زيادة التقلبات الاقتصادية والمالية والسياسية وغيرها من المؤثرات على سوق الأسهم، حيث يشعر المتعامل بـ”فقدان السيطرة” على الأمور، ويرى أن أمواله تتحكم فيها “قوى” أخرى بما يجعله يشعر بالقلق الشديد حول كيفية تصرف “آخرين” فيما يملكه.
وقد يبدو هنا أن المستثمر الخبير لا يعاني القلق في سوق الأسهم لثقته في قراراته، ولكن تكشف دراسة جامعة “كاليفورنيا” أنه حتى المستثمرين الأكثر تحقيقًا للربح يعانون من التوتر، ولكن توترهم غالبًا ما يكون ناجمًا عن تشككهم في ذاتهم وليس من العوامل الأخرى أو ما يعرف بمتلازمة المحتال، حيث إنه في كثير من الأحيان لا تقي المعرفة من القلق.
ويشير استقصاء إلى أن قرابة 85% من المتعاملين في سوق الأسهم الأمريكي يعانون عرضًا واحدًا على الأقل من أعراض القلق، من صرير الأسنان والقولون العصبي والصداع وآلام المعدة واضطراب ضربات القلب وتقطع النوم بسبب انخفاض السوق.
بل إن قرابة 50% من المتعاملين يعانون من أعراض مشابهة حتى في أوقات ارتفاع السوق، وذلك خوفًا من اتخاذهم قرارات خاطئة بالبيع أو الشراء أو الاحتفاظ، فضلا عن استمرار شكوك حول قرار دخول سوق الأسهم ذاته لدى قرابة 40% من المتعاملين في السوق بما يصاحبها من ارتفاع معدلات القلق.
“أذى” الهرمونات
بل ووجدت دراسة إسبانية – بريطانية مشتركة أن المتعاملين في الأسواق المالية غالبًا ما يعانون من زيادة لافتة في الكوليسترول والذي يتم إفرازه مع الخوف، وفي هرمون التستوستيرون وهو هرمون الذكورة والذي يفرز مع التوتر والشعور بالخطر، وأنه من أصل 142 متعاملا فإن 75 عانوا من مستويات مرتفعة لكلا الإفرازين بشكل واضح.

بل وتزداد إفرازات الأدرينالين بنسبة كبيرة لدى 40% من المتعاملين مع مراقبتهم لشاشات البورصة ومدى الارتفاع والانخفاض، حتى أن بعضهم يشتكي من تقلصات عضلية تشبه التي يعانيها الرياضيون بعد بذل جهد بدني عنيف، وذلك بسبب آثار الهرمون على أنسجة الجسم.
وتشير الدراسة إلى أن أكثر من 70% من هؤلاء الذين يعتقدون بأن لـ”الحظ” دورا كبيرا في أسواق الأسهم يعانون من إفراز مختلفة الهرمونات بكثافة أكثر من غيرهم، ويبدو الأمر منطقيًا في ظل تعاملهم بعقلية المراهن أو المقامر وليس المتداول أو المضارب أو المستثمر.
والمثير للقلق أن غالبية المتعاملين لا ينتبهون إلى أن سوق الأسهم هو المتسبب في إصابتهم بتلك الاضطرابات النفس – جسمية وبالتالي لا يعمدون إلى تغيير نهجهم الاستثماري أو السلوكي في التعامل مع الأسواق ويستمرون في المعاناة من تلك الأعراض، بل ويعتبر البعض أن تلك الأعراض بمثابة “ضريبة” عليهم دفعها للاستثمار في سوق الأسهم دون معرفة أنه يمكنهم الاستثمار دون دفع تلك الكُلفة.
التأثير العكسي على الأسواق
وبعيدا عن الصحة النفسية للمتعاملين، تشير الدراسات أيضا إلى تأثير سلبي لهرمونات المتعاملين على الأسواق حيث تؤدي لصعود وهبوط الأسواق بلا سبب حقيقي، بما يؤدي لتحرك الأسواق ارتفاعاً وانخفاضاً بشكل يفوق ما تحدده موجبات الاقتصاد والشركات المدرجة في البورصة.
فعلى سبيل المثال، فإن دراسة أمريكية تشير إلى أن إفرازات الهرمونات لدى المتعاملين في الأسواق كان لها دور كبير في “سرعة” انفجار فقاعة الأسهم عام 2008 (الأزمة المالية العالمية)، وأن بعض الأسهم تدنت عن قيمتها “العادلة” بنسبة 20-50% مقارنة بالأسهم في نفس القطاع بسبب إفرازات الهرمونات.
وهنا يجب التنبه إلى أن “اللعب بالشائعات” يظهر كثيرًا اعتمادًا على تلك الهرمونات، كما يقول المستثمر الأمريكي الراحل الشهير “جيسي ليفرمور”: هناك من يتعمدون إثارة مخاوفك في السوق وقلقك، وآخرون يتعمدون إثارة طمعك فإذا شعرت بتدفق هرمونات غير طبيعي في جسدك فلا تتخذ قرارًا استثماريًا أبدا، وانتظر لتهدأ لتتخذ قرارك”.

وعلى الرغم من أن هذا يناقض منطق التصرف الصحيح، فإن المستثمر أو المضارب الناجح عليه تعلم التحكم في مشاعره بشكل سريع حتى يستطيع التفكير بشكل واضح و”صاف” لا تؤثر فيه الهرمونات التي تفرزها لحظات “الانكسار” أو “الانتصار” في سوق الأسهم.
ولذا يقول “ليفرمور” إن خسارة الكثير من المتعاملين في سوق الأسهم لأموالهم تكون بسبب “شلل دماغي” يصابون به بسبب تدفق الهرمونات بين عروقهم، بينما يجعلهم يتخذون قرارًا متسرعًا دون دراسة جيدة، وتحت وطأة حتمية اتخاذ القرار في وقت معين وليس اختيار القرار الأمثل.
ويرى “ليفرمور” أن أفضل نصيحة يمكن توجيهها للمتداولين في الأسهم هو النظر على الصورة الأكبر “zoom out”، فإن بدأ سهم في التراجع، فليس عليه الاستجابة لحالة الهلع، بل عليه تتبع نهج السهم لفترة طويلة ويتأكد من عدم وجود متغيرات جذرية وبناءً عليه يتخذ قراره بالبيع أو الاحتفاظ أو حتى الدخول في شراء سهم متراجع دون التأثر بما حوله من هلع و”تدفق هرمونات”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى