مقالات اقتصادية

تجارة الذهب الأفريقي تفتقر إلى الشفافية

كتب أسامة صالح 

تعد مصافي التكرير السويسرية من أكبر المستفيدين من الذهب المستخرج من مناجم الذهب في إفريقيا، لكن معظمها يحافظ على غموض متعمد بشأن مصادر هذا الذهب، وفق مؤسسة “سويس آيد” السويسرية للتعاون الإنمائي.

يوم الخميس 30 مارس الماضي، نشرت المنظمة غير الحكومية تقريرا يعرض خرائط لأكثر من 100 علاقة تجارية بين مناجم الذهب الصناعية الإفريقية ومصافي تكرير هذا المعدن الثمين في مناطق شتى من العالم.
وأشارت المؤسسة السويسرية للتعاون الإنمائي في بيانها إلى أنه “بدون شفافية، من المستحيل تحسين وضع العمال والسكان المحليين الذين يعيشون بالقرب من المناجم». وهذا التحقيق هو جزء من جهود طويلة الأمد في سويسرا وخارجها لمُساءلة الشركات المعنية عن الأضرار البيئية وانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالتعدين.
عموما، ينتهي المطاف بالذهب المُستخرج من أكثر من اثنتي عشرة دولة إفريقية في سويسرا، كما أن أكبر ثلاثة منتجين للذهب في القارة هم غانا وجنوب إفريقيا والسودان. في عام 2020، استوردت مصافي التكرير السويسرية الخمس المعتمدة لدى جمعية سوق السبائك في لندن (اختصارا بالانجليزية: LBMA) أكثر من 177 طنًا من الذهب بقيمة تجارية بلغت 9 مليارات فرنك من المناجم الصناعية الإفريقية، وفقًا لهذه المنظمة غير الحكومية.
وترفض المصافي السويسرية في العادة الكشف عن هوية مورديها أو «عملائها». وتحاجج بالسرية التجارية وقانون المنافسة. ووصفت المنظمة غير الحكومية هذا التعتيم بأنه «مُحيّر» و «غير مبرر». ويُشار إلى أن البيانات المتداولة توفرها في كثير من الحالات شركات التعدين الشريكة أو يُمكن العثور عليها في مواقع البيانات المفتوحة، بالإضافة إلى قواعد البيانات المتخصصة.

التهرّب من المسؤولية
يقول مارك أوميل، المؤلف المشارك للتقرير الذي استغرق إنجازه عامين من البحوث: «نحن نتفهم أن السبب الحقيقي لرغبة هذه المصافي في عدم كشف علاقاتها التجارية هو أنها لا تريد أن يرتبط اسمها بالمشاكل الحاصلة في المناجم». ويضيف: “عندما تؤكد مصدر الذهب الخاص بك…في ذلك نوع تحمل المسؤولية. بدونها، لا يُمكنك إجراء مناقشة صريحة حول المشاكل وما يجب القيام به لمعالجتها”.
في كل عام، تستورد سويسرا أكثر من نصف الذهب العالمي. وإجمالاً، يتعلق ثلثا العلاقات التجارية الـ 142 التي حددتها المؤسسة السويسرية للتعاون الإنمائي (Swissaid) بمصافي “ميتالور” Metalor ومقرها سويسرا ومجموعة MKS PAMP أو مصفاة راند Rand في جنوب إفريقيا، التي تزود المصارف السويسرية بالذهب. ولا تنشر جمعية سوق السبائك في لندن (LBMA) سوى قائمة البلدان التي يأتى منها الذهب الذي تعالجه وتصقله مصفاتها بطريقة مجمعة.
وتمتلك “ميتالور”، وهي مجموعة دولية تتخذ من نوشاتيل مقرا لها، البصمة الأكبر والمؤكدة في إفريقيا، بينما تُعتبر PX Precinox الأصغر على هذا المستوى. وقد حددت المؤسسة السويسرية للتعاون الإنمائي 26 منجما صناعيا قامت شركة ميتالور أو 17 شركة متفرعة عنها، بما في ذلك أربعة مصافي، مؤخرا بتكرير الذهب القادم منها. وتقول المنظمة السويسرية غير الحكومية إن المصفاة تعاملت مع طلباتها وأطلعتها على البيانات. بينما لم تبد شركة  PX Precinox، التي يوجد مقرها هي الأخرى في نوشاتيل، الإستعداد لمشاركة المعلومات إلا ما تعلق منها بمنجم ذهب واحد يقع في السنغال، لكنها لم تكشف عن طاقتها التكريرية السنوية.
وحددت المؤسسة السويسرية للتعاون الإنمائي 21 منجما في القارة السمراء قامت شركة MKS Pamp بتكرير الذهب القادم منها أو تم صقله بواسطتها مؤخرا. وأيضا  10 مناجم أخرى تم تكرير ذهبها بواسطة Argor Heraeus. ولم تؤكد MKS Pamp البيانات المنشورة إلا أنها لم تنكرها ولم تقم بنفيها، متسلحة بالسرية التعاقدية والمنافسة والأسباب الأمنية، وفقًا لتقرير المنظمة غير الحكومية. من ناحيتها، استشهدت شركة Argor Heraeus بالسرية التجارية، لكنها أخبرت المنظمة غير الحكومية أن إمدادات الذهب الإفريقية تمثل واحدًا في المائة فقط من الذهب الذي تُعالجه.
وذكرت المنظمة السويسرية غير الحكومية “سويس ايد” أنه لم يحالفها الحظ في التأكد من المعلومات بواسطة LBMA. وتمتلك مصفاة “فالكامبي” Valcambi ومقرها كانتون تيتشينو طاقة تكرير سنوية تبلغ 1200 طن من الذهب. ورفعت هذه المصفاة دعوى جنائية ومدنية ضد المنظمة غير الحكومية وأحد باحثيها بعد نشر تقرير عام 2020 عن تجارة الذهب بين الإمارات العربية المتحدة وسويسرا. وأخبرت “فالكامبي” SWI swissinfo.ch أنها لا تعلق على علاقات العملاء ما لم يكن لديها إذن صريح من العميل للقيام بذلك بسبب الاعتبارات القانونية لخصوصية البيانات.

درجات متفاوتة من الشفافية
يتساءل مارك أوميل «بالنسبة للمصافي السويسرية، إذا كانت شركة ميتالور تؤكّد بأن لديها 26 علاقة تجارية، فلماذا لا تستطيع MKS و Argor-Heraeus فعل الشيء نفسه؟» ثم يردف قائلا: “إذا كان بإمكان أحدهم القيام بذلك، فعلى الآخرين القيام بذلك أيضا. على المستوى السويسري، يُظهر هذا مرة أخرى أننا بحاجة إلى التمسّك القوي بالقانون، وهو أمر لا يحصل دائما”. ومن المقرر هذا العام مراجعة التشريع الجمركي السويسري، بما في ذلك القانون الخاص بمراقبة المعادن الثمينة.
المنظمة الإنمائية السويسرية غير الحكومية أشارت أيضا إلى أنها وثّقت انتهاكات لحقوق الإنسان ومشاكل بيئية في غالبية مواقع المناجم التي شملتها الدراسة وعددها 125. فعلى الصعيد البيئي، تشمل القائمة تلوث الهواء والتربة والمياه، وكلها لها آثار صحية على السكان المحليين. ويشير التقرير أيضًا إلى حدوث إصابات ووفيات في مواقع المناجم، وإلى مصادرة الأراضي والتشريد القسري، وقضايا الأجور، والفساد والاحتيال الضريبي، والعنف الجنسي والقتل.
يقول أوميل: «من المهم أن تسرد المصافي (أسماء) المناجم التي تستغّل الذهب المُستخرَجَ منها، والمشكلات التي تم تحديدها والإجراءات المتخذة لمعالجتها»، ويضيف: «يجب أن يكونوا استباقيين، ولا يكتفوا فقط بانتظار حدوث شيء سيء».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى