اقتصاد دولي

تحقيق النمو في بريطانيا يبدأ بإصلاح مشكلة نقص العمالة

 “حققوا لنا نمواً! إننا بحاجة إلى النمو!”، جميعنا نتذكر تلك المناشدات والمطالبات التي تلت الفترة الوجيزة التي أمضتها ليز تراس في منصبها رئيسة للوزراء في المملكة المتحدة.

ومع ذلك، هناك أمر واحد لم نسمع عنه بما يكفي، وهو الطريقة الواقعية التي يتوجب اتباعها لتحقيق بعض من هذا النمو. لديّ فكرة: إنها قضية معالجة نقص العمالة في بريطانيا. فقد رأينا أحدث الأرقام التي تظهر أن عدد الأشخاص الذين يوصفون بأنهم “غير نشطين اقتصادياً” في البلاد، زاد بنحو 830 ألفاً في الفترة الممتدة ما بين عام 2019 وعام 2022. ونحن ندرك الآن أن ثلاثة أرباع هؤلاء تبلغ أعمارهم 50 سنة وما فوق.

نسمع الآن مزيداً من الدعوات الموجهة بإلحاح إلى المتقاعدين لأخذ زمام المبادرة والتقدم للوظائف، بالقول: إن بريطانيا في حاجة إليكم!

هذه المناشدات لقيت انتقادات مباشرة من جانب مؤسسة “ريزوليوشن فاونديشن” Resolution Foundation (التي تعنى بتحسين مستوى معيشة الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط)، فقد رأت في تقرير يقترح حلولاً لأزمة العمل في المملكة المتحدة، أن “سياسة التركيز على محاولة إقناع ’مجموعة كوفيد‘ الأخيرة من العمال التي خرج أفرادها من سوق العمل بالعودة لها، من غير المرجح لها أن تنجح”.

هؤلاء هم على حق: فإذا كانت لديك الإمكانات المالية لتمضية وقتك في اللعب مع أحفادك، أو الاهتمام بالحديقة، أو محاولة إصلاح دراجتك النارية القديمة، أو أي شيء آخر يروق لك، فلماذا تود استبدال  ذلك بما هو أشبه بجحيم صباح الإثنين ورئيس فظ الطباع ينقض عليك من أجل التنفيس عن إحباطه تحت تأثير الثمالة؟

ويلفت مركز الأبحاث إلى ملاحظة مفادها بأن شخصاً كان قادراً على التقاعد مبكراً خلال الصيف الوبائي لعام 2020، يعد الآن “غير نشط اقتصادياً” لمدة سنتين ونصف السنة. وتاريخياً، كما تقول المؤسسة، فإن شخصاً واحداً فقط من بين كل 50 كانوا تقاعدوا مبكراً، يعود للعمل كل ثلاثة أشهر.

إذاً ما العمل؟

يقول تقرير “ريزوليوشن فاونديشن” إن ارتفاع نسبة الأشخاص الذين تركوا سوق العمل أثناء الوباء، كان سببه بشكل غير متناسب معدل تقاعد أعلى من الطبيعي بين المهنيين ذوي الأجور الأعلى. أما الأفراد من ذوي الدخل المنخفض، فكانوا أقل عرضة لترك وظائفهم والانتقال إلى التقاعد.

وفي هذا الإطار، يمكن القول إن شخصاً واحداً فقط من كل 10 أفراد “غير نشطين اقتصادياً” – الذين تتفاوت أعمارهم بين 55 و 59 سنة والذين تركوا العمل بعد بداية الوباء – يعتمد على دعم المساعدات الحكومية. لذا، انسوا محاولة إجبار المتقاعدين على معاودة الانضمام إلى طابور التسجيل في المركز المحلي التابع لوكالة التوظيف Jobcentre Plus (مؤسسة تمولها الحكومة البريطانية وتعنى بمساعدة الأشخاص في سن العمل على العثور على وظيفة في المملكة المتحدة).

ينبغي أن ينصب تركيز الحكومة بدلاً من ذلك على الأفراد الذين ما زالوا يعملون ويريدون البقاء في وظائفهم، أو على الذين يرغبون في الانضمام إلى القوى العاملة، لكنهم يواجهون عقبات لا لزوم لها.

والمقصود بالحال الأخيرة، الأمهات والأشخاص ذوو الإعاقة، أما في الحال الأولى، فهم العاملون الأكبر سناً الذين يواجهون أزمات صحية.

إن وسائل مساعدة الفئة الأولى – الأمهات – إنما هي واضحة إلى درجة لم يعد هناك داعٍ لتكرار الحديث عنها، وهي تتمثل في توسيع نطاق توفير رعاية الأطفال بكلفة معقولة. ويمكننا أن نناقش طريقة القيام بذلك، لكن المشكلة هي أن هذا النقاش مستمر منذ أعوام، إلى حد أنه هو الآخر بات يسد الدورة الاقتصادية. وحان الوقت لاستخدام مكبس تصريف الانسداد. إن التأكيد على حقهن في العمل المرن لن يضير، فيما نحاول التوصل إلى الحلول المناسبة.

في ما يتعلق بالأشخاص المعوقين، فأنا أقوم بالكتابة عن التحديات التي نواجهها في سوق العمل منذ أعوام. لكن إن كانت وزارة العمل والمعاشات التقاعدية لا تطيق قراءة أعمدتي، فحبذا لو تواصلت مع مؤسسة “حقوق الإعاقة في المملكة المتحدة”  Disability Rights UK (جمعية خيرية تعمل من أجل المعوقين) ومنظمة “سكوب” Scope (مؤسسة تطالب بالمساواة لذوي الإعاقة في إنجلترا وويلز)، أو ربما تتصل بستيف إنغام [أسهم في تطوير بريطانيا لتصبح قوة أولمبية عظمى. وقدم الدعم لأكثر من ألف رياضي، أكثر من 200 منهم حازوا ميداليات عالمية أو أولمبية]، أو بالمدير التنفيذي مايكل بايج؟ وهذا الأخير هو مسؤول توظيف، فيما أن إنغام هو رئيس تنفيذي مقعد وسيكون من المجدي التحدث إليه. إن التمييز في أسواق العمل لمصلحة الأفراد الأصحاء هو أمر شائع على نحو محبط. لذا استدعوا هؤلاء إلى قاعة اجتماعات، ودعوهم يقدمون لكم بعض الأفكار التي يمكن من خلالها مكافحة هذا التمييز. من ثم نفذوا تلك الأفكار.

أما بالنسبة إلى إبقاء العاملين الأكبر سناً (أو أي عامل يعاني مشكلة صحية) في وظائفهم، فبوسعكم القيام بما هو أسوأ من استنساخ السياسة التي ساعدت كثيراً من الأمهات، من خلال منحهن الحق في العودة إلى العمل. وهذا من شأنه أن يبقي الموظفين المتقدمين في العمر في السوق، بدلاً من دفعهم إلى الخروج منها.

من جهة أخرى، من البديهي أن يسهم إصلاح قطاع الخدمات الصحية في معالجة هذه المسألة. قمت بالتفكير بذلك بينما كنت أتعرض لضربات طبيبي الفيزيائي أثناء محاولته علاج ألم أعانيه في الظهر، وهو أمر يشكل سبباً رئيساً للتغيب عن مكان العمل.

إن الحفاظ على صحة الأفراد يبقيهم في وظائفهم لفترة أطول. كما أن إنفاق المال العام على قطاع “الخدمات الصحية الوطنية” (أن إتش أس)  NHS بهدف تحقيق ذلك، من شأنه أن يأتي بفوائد جمة. ولا بد من أن يكون استخدام المال العام أفضل بكثير من خفض الضرائب عن الأثرياء الذين لا يحتاجون إليه. هذا ليس أمراً صعباً أو معقداً. إنه استثمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى