اقتصاد دولي

هل نجحت القاهرة في جذب دولارات المصريين بالخارج؟

لجأت الحكومة المصرية منذ أن أصابت شظايا الحرب الروسية في أوكرانيا أجزاء عدة في جسد الاقتصاد، إلى المصريين بالخارج لأكثر من مرة منذ مارس (آذار) 2022 في محاولات عدة لتدبير النقد الأجنبي إذ لم تكتف بما يحولونه من تحويلات أجنبية سواء شهرياً أو على مدار العام.

في تلك الأثناء تراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنحو 26 في المئة في غضون تسعة أشهر من السنة المالية الماضية في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من شح العملة الصعبة.

وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري الصادرة، الأسبوع الماضي، أن تحويلات المصريين بالخارج سجلت نحو 17.5 مليار دولار في الفترة بين يوليو (تموز) 2022 ومارس 2023، مقارنة بـ23.6 مليار دولار في الفترة نفسها من السنة المالية الماضية 2021-2022.

ويصل عدد المصريين بالخارج إلى أكثر من تسعة ملايين مصري يتوزعون بين دول العالم، إلا أن السواد الأعظم منهم يقيم بالدول العربية، إذ يصل عددهم إلى نحو سبعة ملايين مصري، وفقاً لبيانات وإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتستحوذ السعودية على غالبية المصريين بنسبة تصل إلى 36 في المئة من إجمالي عدد المصريين المقيمين في الخارج، بينما يقيم نحو 23 في المئة من المصريين بالأردن، إذ يصل عددهم هناك إلى نحو 1.1 مليون مصري، لتكون عمان الوجهة الثانية المفضلة عند المصريين بعد الرياض، بينما جاءت دولة الإمارات في المركز الثالث ضمن قائمة الوجهة المفضلة للمصريين بالخارج، إذ يقيم هناك ما لا يقل عن 15 في المئة من إجمالي المقيمين بالخارج، تليها دولة الكويت بنحو 14.6 في المئة من إجمالي المصريين المقيمين بالدول العربية.

أما في القارة الأوروبية، فيمثل عدد المصريين المقيمين هناك نحو 12.8 في المئة، بينما يصل عددهم في دول الأميركتين نحو 31.1 في المئة من جملة المصريين المقيمين بالخارج، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

مع الشرارة الأولى للحرب الروسية في أوكرانيا تأثرت القاهرة بالتداعيات السلبية بداية من تضاعف فاتورة الغذاء مع ارتفاع أسعار القمح والذرة إلى مستويات قياسية مروراً بخروج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين السيادية) مع بدء البنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) دورة التشديد النقدي برفع أسعار الفائدة التي لم تنته حتى اليوم.

رفع أسعار الفائدة أضر كثيراً بحصيلة النقد الأجنبي المصري بعد أن هرول المستثمرون الأجانب تجاه الفائدة الأميركية المرتفعة ومن ثم تراجعت قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي بأكثر من 50 في المئة في غضون عام تقريباً.

ومع تفاقم أزمة شح الدولار الأميركي كثفت القاهرة من تحركاتها محلياً وخارجياً لتدبير العملة الصعبة تارة من طريق الإعلان عن التخارج من الأصول المملوكة للدولة عبر وثيقة ملكية الدولة لتفسح المجال للمستثمرين العرب والأجانب لضخ استثمارات، وتارة أخرى من طريق مبادرات عدة لجذب أموال المصريين بالخارج.

مبادرة خاصة باستيراد سيارات المصريين

البداية كانت في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، عندما أعلنت وزارة المالية المصرية عن مبادرة خاصة باستيراد سيارات المصريين العاملين بالخارج، ومع اللحظات الأولى لإطلاق المبادرة توقع وزير المالية المصري محمد معيط أن وزارته تستهدف حصيلة قد تصل إلى 10 مليارات دولار بحلول موعد انتهائها المحدد في 14 مارس 2023 قبل تمديدها حتى مايو (أيار) الماضي.

وسمحت تلك المبادرة للمصريين العاملين في الخارج باستيراد سيارة للاستخدام الشخصي، من دون سداد أي جمارك أو رسوم، ولكنها في الوقت نفسه اشترطت إيداع قيمة الجمارك والرسوم في حساب وزارة المالية المصرية بالدولار، على أن يسترد المودعون تلك القيمة بعد خمس سنوات بالجنيه المصري، بسعر صرف الدولار في تاريخ الاسترداد في نهاية السنوات الخمس.

الحصيلة 713 مليون دولار

وعلى رغم التسهيلات التي قدمتها الحكومة لإنجاح تلك المبادرة، فإن العائد منها لم يكن هو العائد المنتظر والمتوقع، إذ بلغ إجمالي ما أمكن جمعه حتى منتصف يوليو الجاري 713 مليون دولار، وفقاً لبيان رسمي لوزارة المالية المصرية.

وتعليقاً على ذلك قالت مساعدة وزير المالية لشؤون المتابعة وإدارة مشروعات تطوير مصلحة الجمارك منى ناصر، إن “تجربة قانون منح تيسيرات للمصريين في الخارج لاستيراد السيارات لم تنجح في الشكل المطلوب، بحسب تعبيرها، قياساً على حجم التوقعات المنتظرة قبل العمل بالمبادرة”.

وأضافت في تصريحات إعلامية، أنه حتى مطلع مايو الماضي حققت المبادرة إيرادات بلغت 415 مليون دولار نظير 84 ألف وديعة من إجمالي عدد بلغ 185 ألفاً من المسجلين على البوابة الإلكتروني، كما أصدرت مصلحة الجمارك الإفراجات الجمركية عن عدد 1500 سيارة إلى الآن، قائلة “المصريون في الخارج لم يصدقوا في البداية المبادرة، والجميع كان ينتظر من الآخر خوض التجربة، وقبل انتهاء المدة الإقبال على الشراء وتحويل الودائع ارتفع مرة واحدة، سجل 185 ألف طلب، لكن لم يسدد سوى 84 ألف طلب”.

أسباب فتور حماس المصريين بالخارج

في تصريحات خاصة سابقة لـ”اندبندنت عربية” أجمع عدد من المصريين بالخارج من رؤساء الجاليات المصرية بالخارج، على الهدف النبيل من وراء المبادرة، ولكنهم اتفقوا على خطأ الحكومة في أسلوب وآليات وموعد تطبيق المبادرة، فقال عضو اتحاد المصريين في أوروبا عن دولة إيطاليا علي ربيع، إن “المصريين بالخارج، وخصوصاً في أوروبا، بحت أصواتهم مناشدة للحكومة المصرية في النظر بعين الاعتبار إلى المصريين بالخارج، على أساس أنهم قوة اقتصادية ناعمة قوامها يزيد على الـ12 مليون مصري، يمكنها بكل بساطة دعم الاقتصاد المصري بكل قوة. كما نادوا بإعلان تيسيرات عديدة منها تسهيل استيراد السيارات معهم عن العودة إلى القاهرة، سواء للإجازات أو العودة النهائية”، مستدركاً أن “المبادرة أو القانون الذي صدر جاء مخيباً لآمال السواد الأعظم من العاملين بالخارج”.

وأوضح عضو اتحاد المصريين في أوروبا عن دولة إيطاليا، أن “المبادرة بها كثير من الثغرات وشروط مجحفة منها مدة المبادرة والمطالبة بحساب بنكي يتضمن المبلغ المطلوب كقيمة الضرائب والرسوم الجمركية بالدولار قبل إطلاق المبادرة بثلاثة أشهر”.

في الجانب نفسه، قال المتحدث باسم المصريين في أوروبا، ولاء مرسي، إن “المبادرة لم تلق القبول المرتقب من جانب المصريين بالخارج، لشعورهم أن الدولة تبحث عن جمع الدولارات فحسب، بعيداً من مصلحتهم الشخصية”، مضيفاً أن “شرط فتح حساب بنكي بالدولار الأميركي قبل انطلاق المبادرة بثلاثة أشهر أمر يدعو إلى الغرابة”.

وكشف عن أن “هناك نسبة لا تقل عن الخمسة في المئة من المصريين في أوروبا هجرة غير شرعية ولا يمكن التعامل مع البنوك الرسمية، فهؤلاء مبدئياً خرجوا عن المبادرة تماماً، إلى جانب التغاضي عن ضرورة فتح الحساب بالدولار الأميركي”، متسائلاً، “لماذا لا يحول المصريون بالدول العربية بعملات الدولة المقيمين بها، وكذلك تمكين العاملين في بريطانيا بتحويل المبالغ المطلوبة بالجنيه الاسترليني للتخفيف عنهم”.

ومع عدم تحقيق مبادرة الأهداف المرجوة منها، لم تكل الحكومة المصرية، إذ واصلت، الأسبوع الماضي، محاولاتها بحثاً عن العملة الصعبة ولكن هذه المرة عبر قطاع المصارف، إذ أعلن أكبر بنكين حكوميين في مصر إصدار شهادتي ادخار جديدتين بالدولار الأميركي لمدة ثلاث سنوات، وسط أزمة شح الدولار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى