اقتصاد دولي

هل يقترب لبنان من استخراج «الكنز البحري»؟

يترقب لبنان بدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز والبدء بحفر بئر استكشافية، خلال سبتمبر (أيلول) المقبل، وفق ما أعلنت شركة «توتال إنرجيز» الفرنسية بالاتفاق مع شركائها «إيني» الإيطالية و»قطر إنرجي»، وذلك بعد توقيع عقد مع شركة «ترانس أوشين»، ثاني أكبر مقاول حفر بحري في العالم، لاستئجار حفارة استكشافية في مربع تسعة قبالة سواحل لبنان، في خطوة قد تمهد الطريق لوضع بيروت على خريطة الدول المنتجة للهيدروكربونات.
ويفترض أن تنطلق قريباً تلك الحفارة من بحر الشمال في بريطانيا باتجاه لبنان، وموعد وصولها إلى المياه الإقليمية مرتبط بنتيجة البئر التي تقوم بحفرها هناك، فإن سجلت اكتشافاً تجارياً، فقد يتأخر وصول الحفارة حتى أكتوبر (تشرين الأول)، وإن لم يسجل أي اكتشاف، فقد تصل الحفارة في سبتمبر (أيلول).
يشار إلى أن مدة الإبحار من بحر الشمال إلى المياه اللبنانية تقدر بأربعة أسابيع. واستأجرت «توتال» ثمانية آلاف متر مربع في مرفأ بيروت بكلفة تصل إلى 60 دولاراً للمتر الواحد سنوياً، بتكلفة إجمالية تصل إلى 480 ألف دولار. وقد انتهت، أخيراً، مجموعة مناقصات لها علاقة بسفن الدعم وشراء المازوت البحري للحفارة وبالمروحيات التي ستنقل الطواقم، وبإدارة القاعدة اللوجيستية في مرفأ بيروت.
وتعتبر منصة الحفر تلك من الأقوى والأشد كفاءة في العالم، إذ يعمل على متنها 140 فرداً من الفنيين، من مختلف الجنسيات، وتكلفة الحفر على عاتق «الكونسورتيوم» لقاء حصته من الغاز الموعود.
مراحل مكثفة:- ووصف المتخصص في المجال النفطي عبود زهر، توقيع الاتفاقية بالخطوة المهمة جداً، كونها تندرج ضمن مجموعة 40 عقد تلزيم على شركة «توتال» أن تُجريها قبل المباشرة بأعمال الحفر ومن المتوقع أن تنتهي نهاية مايو (أيار)، وتتوزع ما بين تأمين المعدات والقيام بالتجهيزات اللازمة لعمليات الحفر وتوكيل شركات متخصصة بنقل المعدات من مرفأ بيروت إلى منصة الحفر في البلوك تسعة عبر بواخر، وتأمين نقل طاقم العمل إلى منصة الحفر. ويتوقع أن تستغرق عملية الحفر حوالى الشهرين ينقسم فيها طاقم العمل الموجود على المنصة إلى فريقين يتناوبان مداورة 24 ساعة في النهار لمدة 15 يوماً، ثم يرتاحان بعدها 15 يوماً قبل أن يعودا إلى الحفر مجدداً، على أن تنتهي أعمال الحفر بعد شهرين من انطلاقها، لتبدأ بعدها تحاليل المعطيات المتأتية من عينات الحفر عن نوعية التربة، عمرها، ما تحتويه من غاز أو بترول، أو مكثفات البترول. وفي السياق، أكد وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وليد فياض، أنه من المقرر أن تبدأ أعمال التنقيب عن النفط والغاز قبالة الساحل اللبناني في سبتمبر، وبحلول نهاية العام سيعلن إذا كانت هناك اكتشافات. وقال، «إن هناك سبباً للتفاؤل بعدما عبر الرئيسان التنفيذيان لشركتي توتال إنرجيز وإيني عن تفاؤلهما بخصوص منطقة الامتياز رقم تسعة التابعة للبنان». وتوصلت شركة النفط والغاز الفرنسية «توتال إنرجيز» في أكتوبر من العام الماضي، إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية في شأن مصير حقل الغاز، مع دخول اتفاقية حدودية بحرية غير مسبوقة مع إسرائيل حيز التنفيذ، وقالت الشركة حينها، إنها ستعمل على بدء التنقيب في إطار مشروعها للغاز البحري في البلوك رقم تسعة في لبنان اعتباراً من 2023.
3 سنوات:- من جانبه، يشرح الباحث في اقتصادات النفط والغاز فادي جواد، أن لبنان حين قرر استخراج الثروة النفطية والغازية، قرر تقسيم المساحة البحرية، التي تبلغ نحو 22 ألف كلم مربع (مرتين حجم لبنان)، إلى 10 بلوكات، عرض فقط البلوكين الرابع والتاسع لاستدراج العروض على الشركات العالمية، مشيراً إلى أن المناقصة رست على «كونسورتيوم» من ثلاث شركات وهي: «توتال» الفرنسية بنسبة 35 في المئة، و»قطر إنرجي» بديلاً عن «نوفوتاك» الروسية بنسبة 30 في المئة، و»إيني» الإيطالية بنسبة 35 في المئة، وذلك بإدارة شركة «توتال» التي تدير العمل والناطق الرسمي باسم الـ»كونسورتيوم».
وأشار إلى أن مجريات الفترة المرتقبة انطلقت بخطوة باختيار منصة حفر «ترانس أوشين»، التي برأيه تلائم الجيولوجيا اللبنانية التي تتميز بعمق المياه، والتي تصل في بعض الأماكن إلى أربعة آلاف متر، كاشفاً عن مفاجأة مرتقبة عند البدء باستكشاف البلوك رقم أربعة حيث يتوقع أن تكون النتائج إيجابية بعكس الاستكشاف السابق في بئر «بيبلوس»، حيث يشكك في الأسباب التي دفعت «توتال» حينها للإعلان، أن الكميات غير مجدية اقتصادياً.
وبحسب تقديراته لن تتجاوز مدة بدء استخراج الغاز في لبنان الثلاث سنوات إذا ما سارت كل الأمور بوتيرة سريعة من دون عرقلة من الشركات أو الحكومة وتأخير في المسار والتراخيص، معتبراً أن تلك المدة كافية لبدء الأسواق الداخلية بحاجتها، حيث يجب أن تُحول معامل إنتاج الكهرباء الحرارية إلى الغاز، كذلك الأمر بالنسبة للمصانع المحلية وغيرها، والكميات الفائضة يبدأ تصديرها إلى الأسواق المستهدفة. إصلاحات عاجلة:- ويلفت أمين سر بعثة لبنان إلى مجلس الطاقة العالمية رودي بارودي، إلى أنه لا أحد يستطيع الجزم بحجم الثروة في حقل قانا قبل بدء عمليات التنقيب، كاشفاً أن التقديرات المتوقعة حول حقل كاريش تُشير إلى وجود عائدات تقدر بـ16 مليار دولار. وعن العملية وموعد بدء الاستفادة من الثروة، يقول إنه بعد استقدام آليات الحفر، تحتاج عملية الاستكشاف ما بين شهر وستة أشهر، وفي حال وجدت الكميات التجارية، فحينها تستقدم الشركات منصات الاستخراج. وشدد على ضرورة استباق مرحلة العائدات المالية، بقيام الدولة بالإصلاحات، لأن الشركات تتخوف من التعامل مع دول ينخرها الفساد، لا سيما قطاعات القضاء والمالية والطاقة والغاز، كما أنه من المفترض أن تؤمن الدول كافة مستلزماتها، لأن الشركة ستتعامل مع عدد من الوزارات.
تقديرات الثروة:- وتقدر دراسة أعدتها «المبادرة اللبنانية للنفط والغاز»، قيمة الثروة النفطية، بمعدل سعر المليون وحدة حرارية بـ60 دولاراً، وفي أفضل السيناريوهات مع ثبوت وجود كميات تجارية في البلوكات الـ10، تصل قيمة الثروة إلى نحو 600 مليار دولار، مع تأكيد الدراسة أن هذه الأرقام نظرية ولا يمكن تثبيتها قبل بدء الحفر في البلوكات كافة.
في حين تشير التقديرات الأولية والمسوحات الزلزالية الثنائية والثلاثية الأبعاد التي أجريت خلال 20 سنة من قبل وزارة الطاقة اللبنانية، إلى احتمال وجود نحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز و660 مليون برميل من النفط السائل، أي ما يوازي 600 مليار دولار من عائدات الغاز و450 مليار دولار من عائدات النفط.
الأثر البيئي:- في السياق، توضح المتخصصة في مجال حوكمة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هيتايان، أن إعلان موعد بدء الاستكشاف يأتي في سياق الإجراءات التي كانت محددة سابقاً، كاشفة أن دراسة الأثر البيئي تمت منذ ما يقارب الشهرين، حين أتت الباخرة التي أنجزت الدراسة، ومن المفترض أن تصدر النتيجة خلال شهرين، مشيرة إلى أنه في حال بدأت أعمال الحفر في سبتمبر، ستحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أشهر أي بداية عام 2024 حتى تصدر نتيجة التنقيب.

وحول تأثير نتيجة الأثر البيئي على الحفر، اعتبرت أن الأمور تسير وفق الخطة التي أعلنت عنها شركات «توتال» و»إيني» و»قطر إنرجي»، وأن دراسة الأثر البيئي هي ضمن الاتفاق الموقع، وبنتيجته يضعون الخطة المناسبة للحفاظ على البيئة وعدم الضرر بها، كذلك يرتبط الأثر البيئي بإعادة البيئة إلى طبيعتها من دون إلحاق الأذى بها أو تشويهها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى