اقتصاد دولي

كيف ستتحول سوق العقارات في عصر الذكاء الاصطناعي؟

بدأ الحديث عن تأثيرات التكنولوجيا على قطاع العقارات منذ أكثر من عام، عندما دخلت بقوة وأرخت بظلالها عليه بشكل مؤثر وفعال، إذ ساعدت التكنولوجيا المستثمرين في وقت سابق في الوصول إلى المنازل والرهون العقارية الأنسب، وخلقت تحولاً ملموساً في سوق العقارات آنذاك، لكن ما جرى سابقاً لم يكن إلا تمهيداً بسيطاً لما يمكن للتكنولوجيا أن تقدمه في هذا القطاع، فالاحتمالات أصبحت مفتوحة والاتجاهات التكنولوجية الحالية تفتح أبواباً لا حصر لها، والذكاء الاصطناعي في طريقه لإلغاء الطريقة التقليدية في بحث الناس عن المعلومات حول المنازل وإحداث ثورة حقيقية تغير وجه هذه الصناعة إلى الأبد. فكيف سيساعد الذكاء الاصطناعي في سوق العقارات، وما التحول الذي سنشهده قريباً في هذا القطاع؟
الأتمتة ومعالجة البيانات:- وتشمل صناعة العقارات تسويق وبيع وتأجير وتطوير وتقييم وإدارة الممتلكات التجارية والصناعية والسكنية والزراعية، وقد اعتمدت منذ نشأتها على وكلاء العقارات في تسهيل المعاملات العقارية بين المشترين والبائعين ومساعدتهم في إكمال الشراء والبيع، ومن هنا جاءت ضرورة استعانة الوكالات العقارية بالخوارزميات لإتاحة المجال لعملائها بالوصول إلى أدق التفاصيل والمعلومات عن بعد بطريقة ذكية عبر الاستعانة بالتكنولوجيا لإتمام الإجراءات المختلفة من سداد ديون الرهن العقاري إلى الاختيار ما بين أنواع القروض المختلفة والوصول إلى القرض والمستثمر الأنسب من دون الاضطرار إلى تحمل مشقات التجول بين المكاتب. ومن جهة أخرى أصبح بإمكان الوكلاء استهداف الأسواق المناسبة والوصول إلى الزبائن المحتملين بطريقة أسهل وأسرع وأكثر فاعلية.
على سبيل المثال، استفادت «غوغل كلاود» في وقت سابق من عام 2020، من الأتمتة وما تقدمه من سرعة وسهولة في جمع البيانات ومعالجة المستندات، عبر إطلاقها أداة «لاندينغ دوك أي آي» (Lending DocAI)، إلى جانب أداتها السابقة «دوكيومنت أي آي» (Document AI)، لتطوير مجال الرهن العقاري ومساعدة الشركات في التخلص من الطرق اليدوية المربكة وتسريع عمليات معالجة طلبات القروض وتقييمها من جهة، وتحسين تجربة العملاء من جهة أخرى.
التوقع وتحليل السوق:- وبالنسبة إلى الشق الذي يعتمد على إدارة العقارات بغرض التأجير، فلم يكن يخلو سابقاً من الوقوع في الخطأ، إذ يتطلب قدراً كبيراً من الجهد والوقت والمتابعة قبل وبعد وخلال عملية التأجير، وهنا برز دور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الحساب الدقيق لكل شاردة وواردة في هذا القطاع وتفرعاته أيضاً، بخاصة الفواتير الخاصة بالموارد وتقليل استهلاكها وهدرها من خلال إدارة صحيحة للبيئة الداخلية في المنازل المستأجرة المعتمدة على مستشعرات خاصة بالكهرباء والإضاءة والماء وغيرها، وصولاً إلى حماية العقارات من الاستخدام والممارسات الخاطئة التي تؤثر سلباً على العقار نفسه وعلى تجهيزاته أيضاً، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي تقدير الموعد الصحيح للصيانة والإصلاح مسبقاً قبل تفاقم المشكلات.
وتعد سرعة معالجة البيانات ودقتها الميزة الأولى التي تقود بدورها إلى باقي المميزات، فالتحليل الذكي للسوق وبياناته الضخمة، ونواتج هذا التحليل، تشكل قفزة حقيقية في طريقة التعاطي ضمن هذا القطاع، فالتوقع من خلال جمع ملايين المعلومات والأخبار والإعلانات والإحصائيات عملية سهلة جداً بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي ستمكن العاملين في هذا المجال من معرفة الاتجاهات المستقبلية والاستعداد لها والتقاط المكاسب والاستثمارات بشكل أدق وأقل خطورة من ذي قبل.
«تشات جي بي تي» وسوق العقارات:- وفي خطوة غير مسبوقة، أعلن «زيلو»، الموقع العقاري الأكبر على مستوى العالم، في الثاني من مايو (أيار) الحالي عن إطلاق مكون إضافي (plug-in) لـ»تشات جي بي تي» أطلق عليه اسم (ChatGPT plug-in) يتيح للأشخاص البحث عن قوائم العقارات من خلال إجراء محادثة مع برنامج الدردشة الآلي الخاص بـ»أوبن أي آي» (OpenAI). وأنشئ «زيلو» عام 2006 من قبل موظفين سابقين في شركة «مايكروسوفت» وأصبح أكبر قاعدة بيانات عقارية وسوقاً متكاملة للعقارات حيث يشمل نحو 110 ملايين بيت موزعة حول الولايات المتحدة، ويمكن المستخدمين من البحث عن قوائم بيع وتأجير للعثور على مكان للإيجار أو الشراء. المكون الإضافي متاح لعدد محدد من مستخدمي «تشات جي بي تي» اليوم، وسيمكن المستخدمين من البحث عن منزل عن طريق الدردشة، إذ يمكن لهم أن يسألوا «تشات جي بي تي» عن نوع العقار الذي يتطلعون إلى شرائه أو استئجاره، عبر إدخال تفاصيل مثل الموقع والسعر وعدد غرف النوم، ليغوص «تشات جي بي تي» بعد ذلك في قاعدة بيانات «زيلو» الواسعة ويقدم الخيارات التي تلبي المعايير التي ينشدها المستخدم.
التجربة الأولى من نوعها:- ويعتبر «زيلو» أول سوق عقارية تطبق هذا النوع من البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وكان قد أطلق سابقاً ميزة البحث باللغة الطبيعية، التي تسمح للمتسوقين بإدخال عبارات محادثة في شريط البحث على موقع الويب للحصول على نتائج ذات صلة. ويعتقد الرئيس التنفيذي للشركة أن «وصول الذكاء الاصطناعي التوليدي للمحادثات بمثابة تحول في النظام الأساسي تماماً كإدخال واجهة المستخدم الرسومية أو واجهة اللمس على الهواتف الذكية الأولى».
من جهة أخرى صرح المسؤول التقني في الشركة في بيان بأن «الذكاء الاصطناعي التوليدي يعمل على تغيير طريقة بحث الأشخاص عن المعلومات»، مشيراً إلى تفهم الشركة لإمكاناته الهائلة وما يمكن أن يقدمه في هذا المجال وعن تطلعهم إلى تطوير مزيد من الابتكارات باستخدام تقنية «أوبن أي آي» في المستقبل.
الجدير ذكره أن المكون الإضافي الآن في مرحلة الاختبار «ألفا» أي قبل الإصدار التجريبي «بيتا»، وهذا يعني أن الإصدار النهائي سيكون مختلفاً تماماً عن المطروح الآن، ويفترض أن يرسل المستخدمين الحاليين له كثيراً من التعليقات وردود الفعل حول طلباتهم وحاجاتهم، لتسهم المحادثة باستخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة العملاء وزيادة إنتاجية القوى العاملة وسرعة الإنتاج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى