مقالات اقتصادية

أقسى العقوبات تحل خفيفة على «إيرنست آند يونغ”

كتب أسامة صالح 

لقد كان حكما تاريخيا، يبدو للوهلة الأولى على الأقل صارما جدا: منعت هيئة رقابة المراجعات المالية الألمانية “أباس” الشهر الماضي شركة إرنست آند يونج من التعامل مع أي عميل كبير جديد لمراجعة حساباته في أكبر اقتصاد في أوروبا لمدة عامين. فرضت الجهة التنظيمية العقوبة لإخلال الشركة بواجباتها المهنية في عملها لشركة المدفوعات المفضوحة وايركارد.

انهارت الشركة التي كانت ناجحة في 2020 في واحدة من أكبر فضائح المحاسبة في أوروبا. غاب عن “إرنست آند يونج” أن نصف إيرادات “وايركارد” المعلن عنها على مدى عدد من الأعوام وما يصل إلى 1.9 مليار يورو من الحيازات النقدية للشركة كانت مزيفة.

أيضا غرمت الشركة المصنفة ضمن شركات المحاسبة الأربع الكبرى 500 ألف يورو بسبب الانتهاكات غير المعلنة، ويواجه خمسة موظفين حاليين وسابقين في “إرنست آند يونج” عقوبات تراوح بين 23 ألف يورو و300 ألف يورو. كما سلم سبعة مدققين سابقين تراخيصهم، وفقا لمطلعين على الأمر.

في حين إن هذه هي أقسى عقوبة ضد شركة مراجعة حسابات في ألمانيا، فقد تكون لعقوبة “أباس” قيمة رمزية أكثر من تأثير فعلي. بل تسلط الضوء، في بعض النواحي، على مواطن الضعف الهيكلية لصناعة مراجعة الحسابات الأوسع.

من منظور “إرنست آند يونج”، كان من الممكن أن يكون الحكم أسوأ بكثير من عدة نواح. خلصت “أباس” إلى أن العمل الذي تضمن أخطاء كان قضية خاصة ويقتصر على عمليات مراجعة حسابات “وايركارد”، وفقا لمطلعين على المسألة. ولو خلصت هيئة الرقابة إلى أن الأخطاء تعكس ضعفا أوسع في ضوابط الجودة التي عمت أرجاء الشركة في ألمانيا، لكان بإمكانها منع “إرنست آند يونج” من مزاولة أي أعمال مراجعة حسابات في الدولة.

علاوة على ذلك، لم تتطرق “أباس” إلى مسألة رئيسة عن تحديد الالتزامات المالية على “إرنست آند يونج”. تواجه الشركة سيلا من الدعاوى القضائية من مستثمري “وايركارد” ودائنين يطالبون بتعويضات بمليارات.

وبموجب القانون الألماني المعمول به آنذاك، لن تواجه “إرنست آند يونج” التزامات مالية كبيرة إلا إذا أجرت مراجعات حسابات خاطئة بقصد. إذا تبين أنها عملتها بإهمال فقط، فستفلت “إرنست آند يونج” أساسا من العقاب، ولن تواجه سوى غرامة صغيرة وفقط إذا وجدت صلة مباشرة بين أفعال المدقق والخسائر المطالب بها في دعوى قضائية.

في حكمها، الذي جاء بعد ما يقارب ثلاثة أعوام من فتح هيئة الرقابة القضية، لم تتناول “أباس” القضية الشائكة عن العمد أو الإهمال أبدا. قال خبراء قانونيون “إن هذا القرار يمكن أن يستند إلى الرأي القائل إن هيئة الرقابة غير ملزمة قانونا بالتحقيق في دوافع إرنست آند يونج”. إن عدم وجود أي رأي مصرح من “أباس” عن هذه المسألة قد يصعب على المدعين العامين متابعة الدعوى الجنائية بشأن عمليات تدقيق الشركة المنهارة.

غرامة 500 ألف يورو المفروضة على “إرنست آند يونج” هي الحد الأقصى الذي كان ممكنا بموجب القانون الألماني آنذاك. لكن لشركة تدر أرباحا كبيرة مع أكثر من 2.3 مليار يورو من الإيرادات السنوية في ألمانيا، هذا المبلغ ليس إلا خطأ في الحساب، وتكاليفها القانونية لهذه القضية تفوق الغرامة.

إن الحظر على تولي أعمال لشركات مدرجة جديدة لعامين لن يغير شيئا يذكر في “إرنست آند يونج” على المدى القصير. منذ انهيار “وايركارد”، كافحت الشركة لكسب أي عميل تدقيق جديد رفيع المستوى في ألمانيا في حين خسرت عددا من الأعمال البارزة المكلفة بها، منها “كوميرس بانك” وبنك كيه إف دبليو ومجموعة دي دبليو إس ودويتشه تليكوم للاتصالات.

على المدى المتوسط، توليفة تعقيدات سوق التدقيق الأوسع وقرار “أباس” سيضعان “إرنست آند يونج” في ألمانيا في وضع يسمح لها بالمضي قدما. من عجيب المفارقات هنا أن تنظيم عمل مراجعة الحسابات الأشد صرامة الذي استحدث في أعقاب الفضيحة سيساعدها في الواقع. الشركات المدرجة الآن ملزمة قانونا باستبدال مراجع حساباتها كل عشرة أعوام. علاوة على ذلك، قوانين تضارب المصالح المعززة تفيد بأنه لا يسمح لشركات المحاسبة الأربع الكبرى بتقديم المشورة لشركة ما بشأن المسائل الضريبية أثناء تحققها من سجلاتها المالية. كما يسمح بالأعمال الاستشارية الأخرى وفق قواعد صارمة.

تكمن العقبة في أن “كيه بي إم جي” و”برايس ووترهاوس كوبرز” و”ديلويت” و”إرنست آند يونج” هي الشركات الوحيدة التي يراها كثيرون على أنها تتمتع بالمهارات والخبرات اللازمة لتدقيق الشركات المعقدة ومتعددة الجنسيات في جميع القطاعات. وهذا يضع الأساس لانتعاش “إرنست آند يونج” لأن الخيارات أمام الشركات التي تحتاج إلى تبديل مدققها الحالي محدودة للغاية، خاصة إذا كانت تعتمد على خدمات استشارية من شركة أخرى من الأربع الكبرى بالفعل. واحدة فقط من أكبر 40 شركة ألمانية -عملاقة البرمجيات “ساب”- تعتمد على شركة مراجعة حسابات غير الأربع الكبرى، “بي دي أو”. على مدى العامين المقبلين، حظر “أباس” على “إيرنست آند يونج” يضيق الخيارات أمام الشركات أكثر.

كل هذا يشير إلى أن إصلاحات اللوائح التنظيمية لصناعة مراجعة الحسابات في أعقاب “وايركارد” لا تزال عملا غير مكتمل. يمكن أن تتمثل إحدى الأولويات في زيادة الخيارات المتاحة للشركات الكبيرة المدرجة بدلا من الحد منها. يمكن توفير ذلك بتخفيف الحواجز التي تحول دون دخول مراجعي الحسابات السوق أو بتسهيل عمليات الاندماج بين الشركات متوسطة الحجم. ستكون الشركات والمستثمرون أحسن حالا مع قائمة تضم خمس أو ست شركات محاسبة كبرى مثلا، بدلا من الثلاث الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى