اقتصاد دوليمقالات اقتصادية

إعادة فتح الصين أبوابها لن يكون كافياً لإنقاذ أسواق النفط

انتعاش الطلب يتطلب تحسن النمو العالمي وتغيير الظروف المحلية الصينية، وهذا لن يحدث في أي وقت قريب

كتب أسامة صالح 

تُعدّ الصين بارقة الأمل الوحيدة الناشئة وسط مآسي سوق النفط الخام التي يبدو أنها قد تنهي هذا العام المضطرب بأسعار أقل مما بدأته بها.

تستهلك الصين برميلاً من كل ستة براميل للنفط في العالم، وفي معظم فترات العام كانت تتعثر من إغلاق إلى التالي في محاولتها للتمسك بسياسة “صفر كوفيد”. تم إلغاء هذه السياسة الاّن بشكل غير رسمي، وسنشهد بالتأكيد طفرة فورية في الطلب مقارنة بما حدث عندما ألغت بقية دول العالم حالة الإغلاق في عام 2021، دافعة بأسواق الطاقة إلى حالة من الارتفاع المحموم.

هذا الأمر يُعدّ صحيحاً إلى حد ما، لكن افتراض صلة مباشرة بين الدول الأخرى يخاطر بإساءة فهم نمط اختلاف استهلاك النفط في الصين.

بشكل ما، لا يهيمن النقل ببساطة على استهلاك الطاقة في الصين كما هو الحال في الدول الأخرى. يستنفد البنزين والديزل ووقود الطائرات ما يصل إلى 72% من براميل النفط في الولايات المتحدة، و68% في الاتحاد الأوروبي، لكن النسبة تُقدّر بنحو 54% فقط في الصين.

في الوقت نفسه، تستحوذ البتروكيماويات، التي تشمل في تعريفها الواسع كل ما ليس وقوداً سائلاً، على نحو ربع براميل النفط في الولايات المتحدة وأوروبا، وبالنسبة للصين فالنسبة تبلغ 42%.

هذا الأمر يثبط من فكرة أن عام 2022 كان عاماً سيئاً بالنسبة لطلب الصين على النفط. كان إنتاج البنزين ووقود الطائرات، كما قد يتوقع المرء من عمليات الإغلاق، في حالة ركود، حيث استُهلك 146 مليون طن متري في الأشهر العشرة الأولى من العام، بانخفاض 17 مليون طن عن عام 2021.

مع ذلك، فقد حققت بعض المنتجات الأخرى طفرة متماشية مع ارتفاع قيمة الصادرات. عندما تستورد الدول الأجنبية مزيداً من المنتجات الصينية، فهذا يدفع أسعار المواد الخام البلاستيكية التي تدخل في صناعة هذه المنتجات للارتفاع، كذلك الديزل المستخدم في نقل البضائع من المصنع إلى الميناء وتشغيل مولدات المنشآت الصناعية والمساعدة في تزويد السفن التي تحمل البضائع إلى الموانئ الأجنبية بالطاقة.

في تلك الشهور العشرة، سجل إنتاج المواد الخام لغاز النفط المسال والنفثا والإيثيلين نحو 112 مليون طن، بزيادة 9.1 مليون طن عن المستوى القياسي السابق. بلغ استهلاك الديزل 153 مليون طن، بزيادة قياسية قدرها 23 مليون طن (ربما بسبب بعض التغييرات في توصيف الإحصائيين الصينيين للديزل).

في الواقع، كان العامل الوحيد الذي حال دون وصول استهلاك النفط الخام في الصين إلى مستوى قياسي جديد هذا العام هو التدهور السريع في إنتاج الإسفلت. فقد انخفض الإنتاج حتى أكتوبر بمقدار 16 مليون طن عن العام السابق. هذا يشكل انخفاضاً بنحو الثلث من الطلب الإجمالي مقارنة بأي منتج آخر.

يتوازى هذا الهبوط مع التراجع في قطاع العقارات بالبلاد، حيث يُستخدم البيتومين بشكل رئيسي في تمهيد الطرق التي تربط المشاريع العقارية الجديدة بالمدن الرئيسية، إضافة إلى مواد البناء.

الطلب على النفط يشكل دائماً قصة أكثر تعقيداً من مجرد العلاقة المباشرة بين السلوك المحرك للاستهلاك واستهلاك الخام ذاته، لكن في الصين تحمل القصة الكثير مقارنة بأي اقتصاد كبير آخر.

لا تستحوذ البتروكيماويات على حصة ضخمة من براميل النفط بل إنها قطاع معرض بشكل غير عادي للصادرات، بالتالي تمتد حالة الطلب لما وراء الصين نفسها. حتى الديزل، الذي يستحوذ على الشريحة الكبرى من البراميل، يُعدّ أقل عرضة لوسائل النقل مقارنة بالدول الأخرى، وذلك بفضل دوره في توفير المواد الخام لمصانع الكيماويات وتشغيل المولدات في مواقع قطاع الإنشاءات الهائل.

هذا سبب للاعتقاد بأن الإلغاء السريع لقيود “صفر كوفيد” لن يكون فعالاً الآن في إحداث انتعاش مفاجئ في الطلب في أوائل العام المقبل. هذا الأمر يتطلب تحسناً في النمو العالمي، كذلك تغيراً في الظروف المحلية الصينية. لا تحبسوا أنفاسكم، فبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مستمر في رفع أسعار الفائدة لكبح مؤشرات التضخم الواضحة. كذلك، تتنباً منظمة التجارة العالمية بهبوط حاد في التجارة العام القادم، مع توقع ارتفاع حجم التجارة بنسبة 1% فقط، مقارنة مع 3.5% في العام الجاري.

هذا يتسق مع رؤية التنبؤات الرئيسية للوضع. تتوقع منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” استمرار انخفاض الطلب على النفط بمقدار 55 ألف برميل يومياً في الربع الأول من عام 2023، قبل معاودة الارتفاع مرة أخرى خلال بقية العام، وسط استئناف السفر بجانب الطلب المرن على المواد الخام. تعتقد وكالة الطاقة الدولية أن الاستهلاك سيسجل مستوى منخفضا نسبياً مقارنة بالعام 2019 حتى منتصف عام 2023، ومن ثم سيتجاوز أعلى مستوياته المسجلة في 2019.

إنها إشارة على أن الفترة الطويلة التي ظلت فيها الصين محركة لنمو قطاع النفط قد شارفت على النهاية. لم يرتفع الطلب المحلي على النفط بشكل ملحوظ منذ وصوله إلى مستوى شبه ثابت في أوائل 2021. معظم ارتفاع الاستهلاك الذي شهدناه هذا العام كان في صادرات المنتجات القادمة من مصافي التكرير والمصانع الخاصة بالدولة. كذلك، أصبحت الهند، التي تستهلك نحو ثلث معدل استهلاك الصين، في الغالب مساهماً رئيسياً في الطلب الحدي حالياً. هذه الدولة التي لطالما اعتبرت إدمانها على الخام الأجنبي خطراً على أمنها القومي، قد تكون الآن على حافة التخلص من هذه العادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى