اقتصاد دولي

ازدواجية أميركية في ملف الوقود الأحفوري فهل هو رهان انتخابي؟

معضلة كبرى تكمن في سياسة الإدارة الأميركية الحالية في شأن الطاقة، فعلى رغم تحركها للتخلص من الوقود الأحفوري، سجلت مستويات إنتاج النفط والغاز معدلات قياسية. حيث تشهد صناعة الطاقة في الولايات المتحدة ازدواجية في الإجراءات المتبعة، ومن الواضح أن نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون حاسمة في التوسع بهذا القطاع، إذا تعهد ترمب بإلغاء قدر كبير من تشريعات بايدن المتصلة بالمناخ حال فوزه بالانتخابات المقبلة، مما سيضر بمكانة واشنطن في الخارج في سياسات خفض الانبعاثات الضارة.

وقال محللون إلى “اندبندنت عربية” إن قطاع النفط والغاز الأميركي يعد مؤثراً قوياً في تحديد أسعار النفط العالمية، وأحد العوامل التي تحدد معدات العرض والطلب في الأسواق.

وخلال الأعوام الأخيرة، حطم الإنتاج الأميركي من النفط الأرقام القياسية مسجلاً مستوى غير مسبوق بلغ 13.3 مليون برميل يومياً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهو الأكبر عالمياً.

وفاق إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة 105 مليارات قدم مكعبة يومياً للمرة الأولى على الإطلاق لتتفوق بذلك على قطر، باعتبارها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال عالمياً العام الماضي.

وسجلت أكبر 10 شركات مدرجة في البلاد من ناحية القيمة صافي دخل إجمالي بقيمة 313 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى من إدارة بايدن لتتضاعف نحو ثلاث مرات، مقارنة بـ112 مليار دولار خلال الفترة نفسها في عهد دونالد ترمب.

وكانت طفرة الأرباح الأخيرة مدفوعة جزئياً بالحرب الروسية – الأوكرانية، التي عززت أسعار النفط والغاز، وكان الانتعاش القوي للطلب العالمي على الطاقة من المستويات الشديدة الخفض خلال صدمة جائحة كورونا في 2020 داعماً للأسعار.

وسجل خام “غرب تكساس الوسيط”، وهو مؤشر الخام الأميركي القياسي، نحو 80 دولاراً في المتوسط خلال الأعوام الثلاثة الأولى من إدارة بايدن، مقابل 58 دولاراً للبرميل في عهد ترمب.

نقد أميركي للطاقة الدولية

وانتقد الكونغرس الأميركي مجدداً وكالة الطاقة الدولية بسبب توقعاتها غير الدقيقة، قائلاً إنها “تسببت في أزمة الطاقة المستمرة، من خلال الفشل في تزويد الحكومات المشاركة ببيانات دقيقة ومحايدة لاتخاذ القرارات”.

وفي رسالة جديدة مؤرخة في الثالث من أبريل (نيسان) الماضي إلى المدير التنفيذي للوكالة فاتح بيرول، قالت رئيسة لجنة الطاقة والتجارة كاثي مكموريس رودجرز، ورئيس اللجنة الفرعية المعنية بالطاقة والمناخ وأمن الشبكات جيف دنكان، إن أجندة المناخ الجديدة لـ”وكالة الطاقة الدولية”، والتوقعات المعيبة، ربما أسهمت في أزمة الطاقة المستمرة، من خلال الفشل في تزويد الحكومات المشاركة ببيانات دقيقة ومحايدة لاتخاذ القرارات.

وكان كل من رودجرز والسيناتور الجمهوري جون باراسو، العضو البارز في لجنة مجلس الشيوخ الأميركي للطاقة والموارد الطبيعية، وجها رسالة إلى بيرول في الـ22 من مارس (آذار) الماضي قالا فيها إن “وكالة الطاقة الدولية ابتعدت عن مهمتها الأساسية” المتمثلة في حماية أمن الطاقة، وبرزت بوصفها “قائدة مشجعة” على التحول الأخضر.

وأضافا “نستطيع أن نقول إن وكالة الطاقة الدولية كانت في السنوات الأخيرة تعمل على تقويض أمن الطاقة من خلال سعيها إلى كبح الاستثمار الكافي في إمدادات الطاقة، خصوصاً في النفط والغاز الطبيعي والفحم”.

جاء في الرسالة الجديدة المؤرخة في الثالث من أبريل 2024، أن توقعات “وكالة الطاقة الدولية”، في شأن “ذروة” الطلب على النفط والغاز الطبيعي تهدد بالفعل بتقويض أمن الطاقة لدى الولايات المتحدة وحلفائها.

وضرب النائبان مثالاً على ذلك بتوقعات الوكالة التي رأت أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيبلغ ذروته هذا العقد، وهو ما دفع إدارة بايدن إلى اتخاذ قرار بوقف النظر في تصاريح تصدير الغاز الطبيعي المسال الأميركية الجديدة، وحذرا من أن هذه القيود سيكون لها تأثير كبير في الاقتصادات المحلية وأسعار الوقود وأمن الطاقة والانبعاثات العالمية.

تغيير سياسات الطاقة

وعلق رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة “أوراسيا” لاستشارات الأخطار أيهم كامل على ذلك بقوله، إن إدارة الرئيس بايدن تعتزم تغيير سياسات الطاقة على المدى البعيد، واتخذت في هذا الإطار قرارات عدة تحد من إنتاج موارد الطاقة غير النظيفة في العقود المقبلة، لكن مع ذلك ليس بإمكان هذه الإدارة أو أي إدارة أميركية أخرى تغيير ديناميكية قطاع الوقود الأحفوري مباشرة.

وأشار كامل إلى أن “الواقع الذي يفرض نفسه حالياً أن قطاع النفط والغاز الأميركي منافس قوى في تحديد أسعار النفط العالمية”، موضحاً أن “شركات الطاقة الأميركية تعمل على مبادئ واضحة بزيادة إنتاجها من الخام ومن ثم نمو أرباحها بما أن ديناميكية السوق تسمح بذلك”.

وتابع أنه في الواقع فمنظمة “أوبك” وحلفاؤها وسياستها الإنتاجية في السنة الماضية تركت مساحة لزيادة الإنتاج من الشركات ودول خارج المنظمة، مشيراً إلى أنه “‏في الأقل جزء من خفض إنتاج النفط في دول الخليج يعوض بزيادة إنتاج من دول أخرى”، لافتاً إلى أن ‏الاجتماعات القادمة لـ”أوبك+” مهمة للغاية في تحديد مسار سياسة الإنتاج على المدى البعيد، فإن استمرت السياسة الحالية من دون البدء في إعادة بعض الإنتاج إلى الأسواق ستستمر ‏التوجيهات الحالية.‏

ولفت رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة “أوراسيا” لاستشارات الأخطار، إلى أن سياسات المناخ الأميركية تعتمد بصورة كاملة على نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، على الغالب فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب سيعتمد على التخفيف من التركيز على الأضرار البيئية لقطاع النفط والغاز، بينما فوز بايدن سيوسع من السياسات المناخية ‏وتنسيقها مع الدول الأوروبية.

تناقض وازدواجية

من جهته أكد المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي وجود ازدواجية في الموقف الأميركي تجاه التعامل مع ملف الوقود الأحفوري، لا سيما في ظل التناقض الواضح بين التوجه الإيجابي لإدارة الرئيس جو بايدن نحو مكافحة التغير المناخي وإنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري من جانب، ووصول الإنتاج الأميركي من النفط والغاز إلى مستوى غير مسبوق من جانب آخر.

وتابع الحرمي بقوله “لعل الناظر إلى سنوات إدارة بايدن يجد أن أرباح أكبر منتجي النفط والغاز في الولايات المتحدة تضاعفت بنحو ثلاث مرات خلال الأعوام الثلاثة الماضية”، مضيفاً أن “هذا الأداء القوي جاء على رغم السياسات العدائية المتواصلة مع خلق لوائح تشريعية إضافية من جانب هذه الإدارة”.

الصناعة النفطية الأميركية والانتخابات المقبلة

وتتزايد مخاوف الأسواق وأصحاب المصلحة من أن تضيق إدارة بايدن الخناق على الصناعة النفطية في الولايات المتحدة في ظل تحذيرات شديدة اللهجة من أن فوز الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024 سيعرض أمن الطاقة الأميركي للخطر.

وكان بايدن قد بنى حملته الانتخابية على أكثر البرامج المناخية طموحاً لأي رئيس أميركي على مر التاريخ، فتعهد بقيادة “التحول عن النفط”، وبعد توليه منصبه نفذ مجموعة سياسات أثارت غضب الصناعة، وتراوحت ما بين تعليق موقت لعقود الإيجار الجديدة لتطوير الوقود الأحفوري على الأراضي العامة، وحتى التخلي عن خط أنابيب “كي ستون إكس أل”.

على رغم ذلك، وخلال فترته الرئاسية تراجع بايدن عن قدر من خطاباته الأولية، فحث الصناعة على زيادة أعمال التنقيب لمواجهة ارتفاع الأسعار في محطات الوقود، وشجع صادرات الغاز الطبيعي المسال، كبحاً لجماح أزمة الطاقة في أوروبا.

يأتي ذلك في وقت جعل فيه ترمب ووكلاؤه من دعم صناعة النفط والغاز جزءاً أساسياً من حملته لإعادة انتخابه، بحجة أن النجاح الذي حققه القطاع أخيراً جزء لا يتجزأ من أجندة تحرير القطاع التي وضعتها الإدارة السابقة.

وتعهد ترمب بإلغاء قدر كبير من تشريعات بايدن المتصلة بالمناخ حال فوزه بالانتخابات المقبلة، مما يرى بعض المحللين أنه سيضر بمكانة واشنطن في الخارج وصادرات البلاد من الطاقة.

المستفيد الأكبر من العقوبات على الخام الروسي

في غضون ذلك، أشارت وكالة “بلومبيرغ” إلى أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر مصدر للنفط الخام منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وبذلك حقق النفط الأميركي أكبر استفادة من العقوبات المفروضة على النفط الروسي والفنزويلي، ويشق الموردون الأميركيون طريقهم إلى الأسواق التي كانت تهيمن عليها “أوبك” وحلفاؤها ذات يوم.

وسجلت صادرات النفط الأميركية عدة أرقام قياسية شهرية جديدة منذ أن بدأت الدول الغربية في فرض عقوبات على روسيا في عام 2022.

ومع تجديد القيود التجارية على فنزويلا في أبريل الجاري بدأت البراميل الأميركية في إزاحة الخام الخاضع للعقوبات في الهند، أحد أكبر الأسواق النفطية في العالم، وهي أيضاً أكبر المشترين للنفط “غير المشروع”.

ويسلط هذا التحول الضوء على المدى الذي ساعدت فيه العقوبات النفط الخام الأميركي على الاستحواذ على حصة في السوق حول العالم.

في حين كان النفط الأميركي منذ فترة طويلة هو مقصد العالم لخيارات الشراء المرنة، فإن انقطاع تدفقات الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا خلق جاذبية جديدة للبرميل الأميركي.

وارتفعت الشحنات الأميركية إلى أوروبا وآسيا في أعقاب ذلك، مما حول الولايات المتحدة إلى واحدة من أكبر المصدرين في العالم، وساعد الإنتاج القياسي من الولايات المتحدة – الذي يأتي في وقت تخفض فيه “أوبك” وحلفاؤها إمداداتها – المنتجين الأميركيين على اكتساب موطئ قدم أكبر في الأسواق الخارجية.

تعكس أسعار النفط الفعلية ذلك، إذ يتم تداول خام “غرب تكساس الوسيط” في هيوستن قرب أعلى مستوياته منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى