مختارات اقتصادية

الذكاء الاصطناعي التوليدي .. المفهوم والفرص والمخاطر

أصبح مصطلح الذكاء الاصطناعي التوليدي يتردد بشدة هذا العام، حيث استحوذ على خيال الجمهور وأثار سباقا بين كبرى شركات التكنولوجيا وعلى رأسها “مايكروسوفت” و”ألفابت” المالكة لجوجل لإطلاق منتجات بتقنية يعتقدون أنها ستغير طبيعة عمل ربما كل الصناعات حتى طريقة عيشنا ونمط حياتنا.

 

والذكاء الاصطناعي التوليدي هو نوع من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها إنتاج أشكال مختلفة من المحتوى بما في ذلك النصوص والصور والبيانات المركبة من أوامر وسياقات بسيطة.

 

وثارت أحدث ضجة بشأن إمكانات التقنية بسبب بساطة واجهات المستخدم الجديدة لتلك البرامج التي يمكنها إنشاء كل شيء بدءا من المقاولات حتى الأجسام ثلاثية الأبعاد، كما يمكنها أن تجمع بين أكثر من قدرة في آن واحد.

 

يمكن للذكاء الاصطناعي تدوين الملاحظات خلال اجتماع افتراضي وصياغة رسائل البريد الإلكتروني وتعديلها حسب السياق وإنشاء عروض تقديمية.

 

وشكل الذكاء الاصطناعي التوليدي أقل من 1% من إجمالي تمويل شركات رأس المال المغامر في الولايات المتحدة البالغ 238.3 مليار دولار في 2022، وفقا لشركة “بيتش بوك” و”الجمعية الوطنية لرأس المال المغامر”. لكن ما يُقدر بنحو 450 شركة ناشئة والعديد من الصناديق الجديدة المعنية بالذكاء الاصطناعي التوليدي تشير إلى أننا أمام سوق محمومة وآمال كبيرة في النمو.

 

كيف تعمل؟

 

 

تحاكي نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية طريقة تفكيرنا بالاعتماد على الخوارزميات التي تتعلم مع كل استخدام. تبدأ بالتعرف على ملايين الصور والنصوص وبقية أشكال الوسائط وتدريجيا تبدأ في تحديد الأنماط التي تسمح لها بفهم وإنشاء المحتوى بشكل مستقل.

 

يقول خبراء إن التطور الحقيقي في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي تمثل في أمرين الأول هو أدوات التحويل والثاني هو نماذج اللغة المتقدمة.

 

وأدوات التحويل هي نوع من التعلم الآلي الذي أتاح للباحثين تدريب نماذج أكبر من أي وقت مضى دون حاجة إلى وضع تعريفات لجميع البيانات مسبقا، وبالتالي بات من السهل تدريب النماذج الجديدة على مليارات الصفحات النصية، ما يؤدي إلى الحصول على إجابات أكثر عمقا.

 

بالإضافة إلى ذلك أتاحت أدوات التحويل مفهوما جديدا يدعى “لفت الانتباه” وهو ما سمح لنماذج التعلم بتتبع الصلات بين الكلمات في صفحات وفصول وكتب مختلفة بدلا من التركيز على الجمل الفردية.

 

أدت التطورات السريعة فيما يسمى بنماذج اللغة الكبيرة أو المتقدمة وهي نماذج تحوي مليارات أو حتى تريليونات من أدوات التعلم إلى حقبة جديدة، حيث يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي كتابة نص جذاب ورسم صور واقعية أو حتى إنشاء محتوى لمسلسل هزلي مسل.

 

علاوة على ذلك أتاحت الابتكارات في الذكاء الاصطناعي إنشاء محتوى عبر أنواع متعددة من الوسائط بما في ذلك النصوص والرسومات والفيديو. وشكل ذلك الأساس لأدوات قادت بشكل أوتوماتيكي إلى رسم صور من وصف نصي أو إنشاء تعليقات نصية من صور مدخلة.

 

على الرغم من كل هذه الاختراقات، يشير الخبراء إلى أننا ما زلنا في الأيام الأولى لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنشاء نص مقروء ورسومات مبسطة ذات صور واقعية.

 

ومع ذلك يشير التقدم المحرز حتى الآن إلى أن القدرات الكامنة في هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يمكن أن تغير من مجال الأعمال بشكل أساسي، إذ من الآن فصاعدا يمكن أن تساعد هذه التقنية في كتابة البرامج وتصميم عقاقير جديدة وتطوير المنتجات وإعادة تصميم العمليات التجارية وتحويل سلاسل التوريد.

 

يقول الخبراء إن تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي ستلعب دورا مشابها لما قامت به الطاقة البخارية والكهرباء والحوسبة، لأنها ستؤثر بشكل كبير على العديد من الصناعات وحالات الاستخدام.

 

من الضروري أن تضع في الاعتبار أنه مثل الكثير من التقنيات السابقة المستخدمة في أغراض عامة، غالبا ما استغرق الأشخاص عقودا للعثور على أفضل طريقة لتنظيم سير العمل للاستفادة من النهج الجديد بدلا من مجرد تسريع تطوير أجزاء صغيرة من مهام سير العمل الحالية.

 

ما بعد “شات جي.بي.تي”

 

 

الذكاء الاصطناعي التوليدي المستند إلى النصوص مثيرا للإعجاب بالفعل، ولا سيما بالنسبة للأبحاث وإنشاء المسودات الأولى والتخطيط، لكن الكثيرين يقولون إن الأمر ليس مثاليا فيما يتعلق بالعثور على أفكار أصلية.

 

لكنهم مع ذلك يقولون إن النماذج اللغوية من الجيل التالي، التي ستلي “تشات جي.بي.تي 4” ستتمكن من فهم أمور مثل علم النفس وعملية الإبداع البشري بمزيد من العمق، ما يمكنها من إنشاء نصوص مكتوبة أكثر عمقا وجاذبية. كما أننا سنشهد أيضا نماذج تكرر التقدم الذي أحرزته أدوات مثل “أوتو جي.بي.تي” والتي تتيح لتطبيقات الذكاء الاصطناعي القائمة على النصوص إنشاء أوامرها الخاصة، ما يسمح لها بتنفيذ مهام أكثر تعقيدا.

 

بالإضافة إلى النص، تحرز التقنية الحالية تقدما جيدا في إنشاء الصور بناء على أوامر نصية عادية، كما أن هناك بعض الأدوات التي تستخدمها لإنشاء الفيديوهات.

 

ومع ذلك، فإن هذا المجال ما زال يخضع لبعض القيود بسبب الطبيعة المكثفة للبيانات المطلوبة. لكن لأن هذا المجال من الذكاء الاصطناعي التوليدي سيصبح أكثر تقدما بمرور الوقت فمن المحتمل أن يصبح من السهل إنشاء صور ومقاطع فيديو لأي شيء تقريبا لدرجة أنه سيصبح من الصعب التمييز بين محتوى الذكاء الاصطناعي التوليدي والواقع.

 

الذكاء الاصطناعي في الميتافيرس

 

هناك العديد من التوقعات بشأن الطريقة التي سيتطور بها تفاعلنا مع المعلومات وبعضنا البعض في المجال الرقمي. تركز العديد من تلك التوقعات على بيئات وتجارب انغماسية ثلاثية الأبعاد يمكن استكشافها من خلال الواقع الافتراضي والواقع المعزز.

 

سيعمل الذكاء الاصطناعي على تسريع تصميم وتطوير هذه البيئات وهي عملية تتطلب الكثير من الوقت والموارد. وقد أشارت شركة “ميتا” المالكة لفيسبوك إلى أن التقنية يمكن أن تلعب دورا حيويا في مستقبل منصات العوالم ثلاثية الأبعاد الخاصة بها.

 

بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء صور رمزية أكثر واقعية تساعد على تعزيز هذه البيئات وجعلها أكثر حيوية وقربا من الواقع وقادرة على إتاحة تفاعلات أكثر ديناميكية مع مستخدمين آخرين.

 

الصوت والموسيقى

 

 

تبلي نماذج الذكاء الاصطناعي بلاءً حسنا بالفعل في إنتاج الموسيقى وتقليد الأصوات البشرية. ومن المرجح أن يصبح الذكاء الاصطناعي على نحو متزايد أداة لا تقدر بثمن لكتاب الأغاني والملحنين، ما يمهد الطريق أمام مؤلفات جديدة يمكن أن تكون مصدر إلهام أو تشجع الموسيقيين على الاقتراب من عمليتهم الإبداعية بطرق جديدة.

 

من المحتمل أيضا أن نرى استخدامات للذكاء الاصطناعي لإنشاء موسيقى تصويرية تكيفية تتزامن مع لقطات حية لأحداث العالم الحقيقي مثل الرياضة. سيتحسن أيضا تركيب الصوت بالذكاء الاصطناعي، ما يجعل الأصوات المصنوعة بواسطة الكمبيوتر أقرب إلى مستويات التعبير والعاطفة التي ينقلها الصوت البشري. سيمثل ذلك فتحا جديدا في مجالات الترجمة الفورية والدبلجة الصوتية والتعليقات والروايات المقروءة.

 

التصميم التوليدي

 

يمكن للمصممين استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في إنشاء نماذج أولية ومنتجات جديدة بأشكال وأحجام عديدة. ويتزايد الكشف عن أدوات من شأنها السماح للمصممين بإدخال تفاصيل المواد المستخدمة ببساطة، بل حتى الخصائص التي يجب أن يحويها المنتج النهائي. وستقوم الخوارزميات بإنشاء إرشادات خطوة بخطوة لهندسة العنصر النهائي.

 

على سبيل المثال استخدام مهندسي شركة “إيرباص” الأوروبية لصناعة الطائرات هذه الأدوات لتصميم الأقسام الداخلية في طائرة الركاب (إيه320)، ما أدى إلى تقليل وزن الطائرة الإجمالي بنسبة 45%، مقارنة بالتصميمات التي وضعها المصممون البشريون. في المستقبل يمكننا أن نتوقع تبني عديد من المصممين لهذه العمليات.

 

الذكاء الاصطناعي في ألعاب الفيديو

 

يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانية التأثير بشكل كبير على طريقة تصميم ألعاب الفيديو وصنعها وتشغيلها. يمكن لمصممي تلك الألعاب استخدامه للمساعدة في وضع تصور وبناء البيئات الغامرة التي تستخدمها الألعاب لتحدي اللاعبين. يمكن تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على إنشاء المناظر الطبيعية والتضاريس والهندسة المعمارية، ما يوفر الوقت للمصممين للعمل على إدماج القصص والأحجيات وآليات اللعب.

 

يمكن أيضا إنشاء محتوى ديناميكي مثل الشخصيات غير المشاركة في اللعب التي تتصرف بطرق واقعية، ويمكنها التواصل مع اللاعبين بشكل أكثر حيوية بدلا من الالتزام بمسار محدد.

 

بمجرد أن يعزز المصممون استخدامهم لتقنيات الذكاء الاصطناعي في سير عملهم، يمكننا أن نتوقع رؤية ألعاب وأنظمة محاكاة تتفاعل مع تحركات اللاعبين أثناء ممارسة اللعبة مع تقليل الحاجة إلى سيناريوهات وتحديات مكتوبة. سيؤدي ذلك بالتأكيد إلى ألعاب أكثر واقعية من تلك الأكثر تقدما الموجودة حاليا.

 

ولا يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعي على المجالات السابقة الذكر، بل يمتد إلى قطاعات متنوعة ففي المجال المالي أن تراقب التطبيقات المعاملات المالية للأفراد في سياق تاريخهم لبناء أنظمة أفضل للكشف عن حالات الاحتيال.

 

كما يمكن للشركات القانونية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في تصميم العقود وتفسيرها وتحليل الأدلة واقتراح الحجج.

 

تستطيع أيضا شركات التصنيع استخدام الذكاء الاصطناعي لدمج البيانات من الكاميرات والأشعة السينية وأدوات قياس وتحليل أخرى لتحديد الأجزاء المعيبة والأسباب الجذرية للمشكلات التي تواجهها المعدات بشكل أكثر دقة وعلى نحو اقتصادي أكبر.

 

ويمكن لشركات إنتاج الأفلام والمواد الإعلامية استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد محتوى بتكلفة اقتصادية أقل وترجمته إلى لغات أخرى بأصوات ممثلين.

 

ويمكن أن يستغل قطاع الصناعات الطبية الذكاء الاصطناعي لتحديد الأدوية الواعدة بكفاءة أكبر.

 

كما ستتمكن للشركات المعمارية استخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم النماذج الأولية وجعلها أكثر مرونة بشكل أكبر.

 

ما المخاوف المحيطة بالتقنية الجديدة؟

 

 

في مقابل العديد من المزايا، يثير ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي أيضا مخاوف مختلفة تتعلق بجودة النتائج واحتمال إساءة الاستخدام، وإمكانية تعطيل نماذج الأعمال الحالية.

 

وأعربت المدارس والأنظمة التعليمية عن قلقها من قيام الطلاب باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في كتابة فروضهم المدرسية، ما يقوض فكرة العمل المطلوب للتعلم.

 

كما أعرب الباحثون في مجال الأمن السيبراني عن قلقهم من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسمح لجهات غير شرعية وحتى للحكومات بإنتاج المزيد من المعلومات المضللة وغير الدقيقة لأنه يسهل كتابة الأخبار المزيفة مثلا.

 

يقول خبراء إنه من الصعب أيضا الثقة في المعلومات التي تقدمها أنظمة الذكاء دون معرفة مصدرها، فضلا عن أن بعض البرامج تقتصر معلوماتها على سنة أو فترة بعينها.

 

يمكن أيضا أن يروج الذكاء الاصطناعي لأشكال جديدة من الانتحال تتجاهل حقوق منشئي المحتوي والفنانين المسؤولين عن إنتاج المحتوى الأصلي.

 

قد تتسبب أيضا في إحداث اضطراب في نماذج الأعمال الحالية المبنية على تحسين محركات البحث والإعلان.

 

يقول الخبراء أيضا إن التقنية الجديدة لها وجه سلبي آخر يتمثل في تعزيز الجريمة الإلكترونية من خلال التزييف العميق المدعوم بالذكاء الاصطناعي فضلا عن إمكانية انتحاله لصفة أشخاص لشن هجمات إلكترونية أكثر فعالية باستخدام الهندسة الاجتماعية.

 

واجهت التطبيقات الأولى مشكلات تتعلق بالدقة والتحيز فضلا عن كونها عرضة لما يسمى بظاهرة “الهلوسة” وهي ردود تبدو واقعية يروج لها الذكاء الاصطناعي بثقة.

 

ردود أفعال

 

يزداد تفاؤل الشركات بالتقنية الجديدة في قطاعات مختلفة فعلى سبيل المثال قالت شركة “أوكتوبس إنرجي” المقدمة لخدمات الطاقة في المملكة المتحدة إن 44% من البريد الإلكتروني لخدمة العملاء يتم الرد عليه من جانب الذكاء الاصطناعي. وقال الرئيس التنفيذي لشركة البرمجيات “فريش وركس” إن المهام التي كانت تستغرق في المعتاد ثمانية إلى عشرة أسابيع يتم الانتهاء منها الآن في غضون أيام نتيجة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في سير العمل.

 

قالت أيضا شركة “كار ماكس” إنها استخدمت الذكاء الاصطناعي في تلخيص الآلاف من آراء العملاء ومساعدة المتسوقين على تحديد أي السيارات سيشترونها.

 

تشير المؤشرات إلى أننا سنشهد تسارعا في وتيرة تطوير أشكال جديدة من الذكاء الاصطناعي التوليدي ستكون قادرة على تنفيذ المزيد من المهام وزيادة مهاراتنا في مجالات عدة.

 

المصادر: أرقام- رويترز- موقع (تك تارجت)- فوربس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى