اقتصاد كويتي

الشال: على الكويت التحوط حول وضع الدولار وتبني خطوات لخفض مخاطره

افاد التقرير الاسبوعي لمركز الشال الاقتصادي ان الحديث حالياً يكثر عن إحتمال فقدان الدولار الأمريكي لدوره كعملة الاحتياط النقدي العالمي، ولأن حصيلة النقد الأجنبي من صادرات النفط وغالبية استثمارات الكويت بالدولار الأمريكي، يبقى القلق أو التخوف من تحققه أمر مشروع، ولنا اجتهاد حوله، ونرغب مشاركته الآخرين دون الجزم بصوابه.

فإحتمال فقدان الدولار الأمريكي لدوره المهيمن قد يحدث، ولكن تجارب الماضي ومعطيات الواقع ترجح أن ذلك لن يتحقق على المدى المنظور، فالأمر يحتاج إلى أكثر من عقد من الزمن على أقل تقدير حتى تبدأ عملة أخرى أو أكثر بمزاحمته على موقع القيادة.
في آخر تجارب التاريخ القريب، احتاج الأمر إلى عقود، خلالها حدثت حربان كارثيتان كانت بريطانيا طرفاً رئيسياً فيهما، حتى تمكن الدولار الأمريكي من إزاحة الجنيه الإسترليني عن موقعه، فقبل الحرب الكونية الأولى، كانت الولايات المتحدة الأمريكية مدينة لبريطانيا بنحو 3 مليار دولار أمريكي، وحدث العكس تماماً بعد انتهائها.

وحاول “تشرشل” ربط الجنيه الإسترليني بالذهب بدءاً من عام 1922، ولكن تكاليف إصلاح الدمار واقتصاد بريطانيا العظمى الواهن مقابل اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية اليافع والحديث، اضطره في عام 1931، أي بعد الكساد العظيم، أو بعد تبنيه لمدة عشر سنوات، إلى فك ارتباط الجنيه الإسترليني بالذهب.

ثم جاءت الحرب الكونية العظمى الثانية التي دمرت أوروبا، لتقر بريطانيا استسلامها لسيادة الدولار الأمريكي بعد ربطه واستبداله بوزن ثابت للذهب – بريتون وودز – وبدعم من اقتصاد بلغ حجمه حينها نحو ثلث الاقتصاد العالمي، وتسانده قوة عسكرية عظمى.

تحقق ذلك التحول بعد عقود من الزمن، سارع في خسارة الجنيه الإسترليني انشغال أوروبا بالهدم من واقع حروبها القومية المدمرة، وسارع برواج الدولار الأمريكي انشغال الولايات المتحدة الأمريكية في توظيف مواردها في أضخم عملية بناء اقتصادي خلال تلك الحقبة.

ما حدث بعدها تكرار الولايات المتحدة الأمريكية لخطايا أوروبا عندما خاضت نحو 13 حرب ساخنة منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، إضافة إلى نحو 45 عام من الحرب الباردة مع الإتحاد السوفييتي وحالياً مع الصين، واحدة من تكاليفها كان اضطرارها في أغسطس 1971 إلى فك ارتباط الدولار الأمريكي بالذهب إبان التوسع في طباعة الدولار الأمريكي لتمويل حرب فيتنام، ولتمويل بقية الحروب، ولمواجهة أزماتها الاقتصادية، بالغت حتى هذه الساعة بطباعة الدولار الأمريكي حتى بلغ دينها العام حالياً نحو 130% من حجم اقتصادها.

ويحدثنا التاريخ بأن أفول القوى العظمى يبدأ في الغالب الأعم من حدة الانقسام والتنافر بين مكوناتها الداخلية، وعجز الحزبين حالياً عن بلوغ توافق على رفع سقف الدين، وسوف يتم التوافق، هو مجرد مؤشر واحد فقط على حدة الإستقطابات، وغزوة أنصار الرئيس ترامب لمبنى الكونغرس في 6 يناير 2021 مثال آخر.

وبينما غالبية نماذج سقوط القوى العظمى على مر التاريخ تحققت بالحروب، سوف يطول هذه المرة استمرار زمن هيمنة الدولار الأمريكي لأن الأفول لن يتحقق سوى بالتفوق الاقتصادي نتيجة تكرار تجربة النهوض الاقتصادي الصينية منذ بداية ثمانينات القرن الفائت لتجربة النهوض الاقتصادي الأمريكية في النصف الأول من القرن الفائت.

والدولار الأمريكي حالياً يمثل أقل قليلاً من 60% من رصيد احتياط عملات العالم الأخرى، بينما يتشارك الذهب وكل العملات الرئيسية الأخرى فيما تبقى، ذلك التفوق الشاسع يعني أن الوقت لا يزال طويلاً حتى يفقد الدولار الأمريكي مركزه المسيطر، ولا نعتقد أن أحداً يعرف ذلك المدى الزمني.

ولكن، بالعودة إلى تجربة الجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي منذ بدايات القرن الفائت، نعرف أن هناك عاملان قد يمددان أو يختصران ذلك الوقت، وهما استمرار انشغال الولايات المتحدة الأمريكية في هدر مواردها في تمويل الحروب، إضافة إلى تداعيات حدة انقساماتها الداخلية، والنقيض، أي سرعة تقدم الآخرين في عمليات البناء.

لذلك، نحن نكرر اجتهادنا بأن القلق حول وضع الدولار الأمريكي أمر مشروع في بلد مثل الكويت، ولكنه لا يتطلب إجراءات عاجلة، ويحتاج التحوط له إلى تعمق في دراسة ذلك الوضع، ثم تبني خطوات مرحلية لخفض مخاطره إن وجدت ووفق ما تخلص إليه الدراسة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى