اقتصاد كويتي

تحديات اقتصادية موروثة تنتظر الحكومة الجديدة

أجمع عدد من الاقتصاديين على توافر عدد من التحديات الكبيرة والصعبة امام الحكومة الجديدة، التي كلف بتشكيلها رئيس الوزراء الشيخ أحمد العبدالله، أبرزها تغيير آلية اختيار الوزراء خاصة في الحقائب الاقتصادية والتي يجب عليهم أن يكونوا اصحاب رؤى وأفكار مبتكرة تساعد على تغيير التوجه الاقتصادي الريعي المعتمد على الإيرادات النفطية وأن يستبدل به نظام اقتصادي متنوع يضمن الاستدامة المالية والاقتصادية.

وأكدوا ان الكويت تأخرت كثيراً في اتخاذ اجراءاتها نحو التنوع الاقتصادي، مقارنة مع دول الجوار والتي خطت خطوات واسعة نحو استبدال النظام الاقتصادي المعتمد على النفط عن طريق الاهتمام بالسياحة والتجارة والصناعة. وطالبوا بأن يكون الوزراء لديهم رؤية واضحة في ما يخص مستقبل الكويت الاقتصادي وتعظيم دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية ، واقرار قوانين تشجع على استقطاب المستثمرين الاجانب.

وقال نائب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت الأسبق فهد الجوعان: إن اختيار الوزراء الجدد لا بد أن يكون على أساس خلفيتهم الاقتصادية، وأن تكون لديهم نظرة واضحة بالإستراتيجية والتطبيق، ويفضل أن يكونوا أصحاب تخصص في القطاع الخاص، حيث أثبت الكثير منهم نجاحهم في القطاع الخاص، بالتالي استقطابهم المناصب الحكومية جيد.و

وأضاف: هناك مسؤولية تشريعية حيث تمت ملاحظتها من خلال المجالس السابقة وهي التخبط في صياغة ووضع القوانين، كما أنها توضع على عجل وبدون الأخذ برأي أهل الاختصاص من الاقتصاديين أو من الجمعيات النفع العام، وهذا أدى إلى نتائج سلبية كبيرة في صدور قوانين عوجاء لا تفيد نمو القطاع الخاص أو تقدم الدولة في الاتجاه الصحيح.

وشدد الجوعان على ضرورة توافر رؤية لدى الحكومة قبل العمل والتطبيق، رؤية واضحة في ما يخص مستقبل الكويت الاقتصادي وكيفية مشاركة القطاع الخاص، فخلال السنوات الأخيرة تراجع دور القطاع الخاص، واليوم نرفع الراية الحمراء لهذا الأمر، فلا قوانين تشجع على استقطاب القطاع الخاص المحلي والعالمي، الكويت أصبحت بيئة طاردة للقطاع الخاص.

وفي ما يتعلق بالتحديات، أوضح الجوعان أن الحكومة الجديدة تواجه تحديات عدة أبرزها التعليم، فإن صلح التعليم صلح المجتمع، يحتاج لرقابة أكبر من قبل الحكومة، ولا بد أن يكون للقطاع الخاص دور لإدارة التعليم، مبيناً أن أزمة الإسكان تحدٍّ يحتاج لحل، فلا يمكن تحرير الأراضي ما لم يكن هناك قانون واضح ومنسق في مسألة التمويل العقاري.

وزاد: أي قانون لا بد أن يدرس بنظرة اقتصادية، المطلوب اليوم هو المردود الاقتصادي وليس المالي، لتستفيد القطاعات المختلفة في الدولة والشركات المدرجة وتوظيف الكويتيين يعد الاستفادة الكبرى، لا مجال للمجاملة مع الحكومة الجديدة، نحن مع إعادة النظر في تحسين معيشة المواطنين ولكن يقابله في خط متوازٍ إعادة النظر في الدعومات لتكون لمن يستحق.

تنويع الاقتصاد

من جهته، قال الخبير الاقتصادي علي الرشيد البدر: «إن تنويع مصادر الدخل من أهم التحديات التي يجب على الحكومة الجديدة العمل على تنفيذها».

وأضاف: «يجب التركيز على تنمية البلد والاقتصاد بالأسلوب المجدي والفعال، بعيداً عن تشييد العمارات الحكومية الفخمة والمكلفة، ومن ثم ملؤها بآلاف البطالة المقنعة».

تحسين المعيشة

من جانبه، قال وزير التجارة والصناعة الكويتية الأسبق د. يوسف العلي إن تحسين معيشة المواطنين يعتبر التحدي الأول أمام الحكومة الجديدة وما الحلول التي تطرحها وكيف تتعامل مع هذا الملف، هو تحدٍّ على المستوى السياسي بالدرجة الأولى، أما التحديات الاقتصادية فأهمها تنويع مصادر الدخل، منذ نصف قرن ونحن نتحدث عنه، إلا أنه حتى الآن لم يقم أحد بتقديم بدائل اقتصادية صحيحة، كما أن هناك بعض المسائل المعلقة كالبديل الاستراتيجي والدين العام، هي تحديات مستمرة لم ينتهِ الكلام فيها.

وأوضح أن الدراسات والتصورات الإصلاحية للاقتصاد موجودة وما ينقصها هو تحويلها لواقع عمل، لا مسألة اقتصادية مستجدة لم يسبق للأجهزة المختصة ألا تقوم على دراستها، جميع الدراسات الاقتصادية متوافرة فقط تحتاج أن تكون مجال التطبيق.

رؤية اقتصادية

بدوره، قال رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية الكويتية مشاري العبدالجليل تحتاج الحكومة إلى وضع برنامج إصلاحات اقتصادية طويل الأمد واضحة الملامح محددة بمدد زمنية واضحة، لا يتغير البرنامج بتغيير الحكومات، كما يجب أن يكون لأصحاب المناصب رؤية اقتصادية واضحة، كذلك يجب عليهم تحمل المسؤولية ووضع مصلحة الكويت فوق كل اعتبار، وعدم المساومة في الملفات الاقتصادية، ويجب عليهم التفكير خارج الصندوق ووضع خطط طويلة الأمد لإيجاد حلول لمشاكل اقتصادية متجذرة عانت منها الكويت لسنوات عدة.

وتابع: تواجه الحكومة الجديدة تحديات كثيرة، منها الاقتصادية والتي من أبرزها هو تضخم النفقات الجارية لتشكل أكثر 70 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي، و‏تكدس أكثر من 80 في المئة من المواطنين في العمل بالقطاع الحكومي، والاعتماد الكلي على النفط كمصدر وحيد للدخل، وتلاشي الفوائد في الموازنة العامة للدولة، و‏خلق 300 ألف وظيفة جديدة خلال 10 سنوات.

وأشار إلى عمر الحكومة السابقة وانعكاسه على اقتصاد البلد قائلاً: سبق أن حذرنا في الجمعية الاقتصادية في أكثر من مناسبة من خطورة تغير الحكومات على الاقتصاد الوطني، هذا ليس كلام الجمعية فقط، فحتى وكالات التصنيف الائتماني تحدثت عن هذا الموضوع، و‏آخر تصنيف ائتماني لدولة الكويت من وكالة فيتش تحدث بسلبية عن كثرة تغيير الحكومات وغياب الرؤية.

تحديات كثيرة

من ناحيته، قال أستاذ إدارة الأعمال في كلية العلوم الادارية بجامعة الكويت د. نواف العبدالجادر: تواجه الحكومة الجديدة تحديات كثيرة واضحة ومعروفة للجميع، أهمها الاعتماد الخطير على مصدر أحادي للدخل، ولا بد من تنويع مصادر الدخل.

وتابع: يتمثل التحدي الثاني في تكدس الوظائف في القطاع العام والبطالة المقنعة ومما ينتج عنها من ضعف إنتاجية، والخطر الكبير هو كيفية خلق فرص وظيفية جديدة.

وأشار العبدالجادر إلى نمو سكاني عالي بمعدل 2.5 في المئة سنوياً، حيث بلغ عدد الكويتيين 1.5 مليون خلال عام 2023 مقابل 1.2 مليون مواطن في عام 2013، أي نمو بمعدل 25 في المئة في عشر سنوات، و50 في المئة من سكان الكويت أعمارهم دون الـ25 سنة، و42 في المئة دون سن الـ20. ومن المتوقع دخول 300 ألف مواطن لسوق العمل خلال السنوات الـ10 المقبلة وهو تقريباً يوازي عدد العاملين الكويتيين في القطاع العام اليوم.

وفي ما يتعلق بالحلول، فأوضح العبدالجادر أن الحلول متعددة ولدينا أفكار كثيرة، والتحدي الأكبر هو كيفية التنفيذ.

وأضاف: مازلنا نفتقد لرؤية واضحة، وخريطة طريق واضحة، برنامج عمل الحكومة يتغير مع تغير رؤساء الوزراء، ولا يتغير عمل الوزارات مع تغير الوزراء، كما أنه لا تنسيق حقيقياً بين الوزارات.

ولفت إلى عدم توافر أهداف واضحة وتناسق جهود وتقييم أداء، تؤدي لمعاناة الحكومة من ضعف إمكانية الانجاز، والمطلوب إنشاء وحدة السياسات العامة (مركز حكومة أو ما يسمى center of government) يعنى بتحديد رؤية واضحة وخطة تنفيذ ومؤشرات أداء لضمان الإنجاز.

ملفات وتحديات

اتفق الاقتصاديون على عدد من الملفات والتحديات الاقتصادية الموروثة:

1- التنويع الاقتصادي وإصلاح الميزانية

تعاني الكويت من اعتماد إيراداتها على مبيعات النفط، وهو ما يجعل الميزانية العامة من أكثر الدول تعرضاً لتقلبات أسعار النفط العالمية، وحسب مشروع موانة السنة المالية الحالية 2024–2025 فإن الايرادات تعتمد بنسة %87 على مبيعات النفط.

ووفق هذه المعطيات فإن أهم تحدٍّ أمام الحكومة الجديدة هو العمل على تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط من خلال تنمية الانشطة الاقتصادية الاخرى مثل الصناعة والسياحة والتجارة أسوة بالدول المجاورة التي خطت خطوات واسعة في هذا المجال.

2- عجز الموازنة

توقعت وزارة المالية أن يصل العجز المالي في ميزانية السنة المالية الحالية الى نحو 5.8 مليارات دينار، وهو الامر الذي يستدعي اتخاذ اجراءات واسعة نحو مواجهة هذا العجز من خلال تقليل مصروفات الموازنة التي خصصت نحو %79.4 منها للإنفاق على المرتبات والدعوم، إضافة الى ضرورة العمل على زيادة الإيرادات غير النفطية من خلال إقرار وابتكار أبواب جديدة للإيرادات المالية مثل الضرائب أو فرض الرسوم على الخدمات المتنوعة.

كما أن تغول المصروفات الجارية على حساب الإنفاق الاستثماري يحتاج إلى تدخل عاجل من أجل ايقاف العجز المستمر في الميزانية العامة.

3-غياب دور القطاع الخاص

على العكس من أغلب دول العالم الناجحة، يعاني القطاع الخاص في الكويت من عدم توافر خطط حكومية واضحة لتنميته او دعمه، حيث تسيطر الحكومة على الاقتصاد بشكل شبه كامل، في حين تعاني شركات القطاع الخاص من ايجاد فرص جادة للعمل.

وخلال السنوات الأخيرة تراجع دور القطاع الخاص بسبب عدم توافر قوانين تشجع على استقطاب القطاع الخاص المحلي والعالمي، فأصبحت البيئة طاردة وساهمت في خروج عدد من الشركات الوطنية للعمل خارج الكويت.

4- التعامل مع المطالبات الشعبوية

أكد الاقتصاديون على ضرورة تعامل الحكومة الجديدة بحصافة مالية مع المطالبات الشعبوية، خاصة أن الميزانية العامة وصلت الى حدودها القصوى من ناحية المصروفات، وبالتالي فإن التعامل مع أي مطالبات نيابية ذات آثار مالية يجب أن يراعى اوضاع المالية حتى لو كانت تلك المطالبات مستحقة.

5- التضخم في الجهاز الإداري

يعاني الجهاز الإداري في الدولة من التضخم، ما يلقي بالعديد من الأعباء على الموازنة، حيث تم خلال السنوات الاخيرة تفريغ العديد من الجهات والهيئات بلا داعٍ لأسباب سياسية وأخرى انتخابية، الأمر الذي ساهم في زيادة البند المخصص للرواتب، وهو الأمر الذي يدعو الى ضرورة وضع خطة لتقليص بعض الجهات عبر الدمج أو الإلغاء، الأمر الذي سيسهم في تقليل الضغط على الموازنة.

معايير الحقائب الاقتصادية

دعا الاقتصاديون الى ضرورة توافر عدد من المعايير عند اختيار الوزراء خاصة في الحقائب الاقتصادية، وكانت أبرز تلك المعايير هي:

أولاً: أن يكونوا وزراء أصحاب تخصص في القطاع الخاص، وسبق أن أثبتوا الكثير من النجاحات، بالتالي استقطابهم للمناصب الحكومية جيد.

ثانياً: أن يكونوا أصحاب رؤى اقتصادية مبتكرة وجديدة قادرة على تغيير الوجهة الاقتصادية للكويت.

ثالثاً: أن يمتلكوا القدرة على التحدث بما يمكنهم من شرح خطط عملهم وإقناع المجتمع ببرامجهم ورؤيتهم.

رابعاً: أن يضعوا مستقبل الكويت أمام أعينهم ولا تقتصر برامج عملهم على الخطط القصيرة المدى للتعامل مع المشكلات الآنية من دون النظر الى آثار تلك القرارات على مستقبل البلاد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى