مختارات اقتصادية

في سوق الأسهم .. حُسن السوق أم جودة البضاعة؟

“في ظل اقتصاد رائج فإن صاحب البضاعة الرديئة قد يتمكن من بيعها بسعر جيد، وفي ظل الاقتصاد الراكد فإن البضاعة الجيدة قد لا تجد من يشتريها إلا بسعر قليل”، جملة تروج بين الكثير من العاملين في عالم الأعمال، مقتضاها بأن “حُسن السوق أهم من جودة البضاعة”.

وهذه عبارة لها وعليها، فمن جهة فإن حالة السوق الجيدة تفيد كافة البائعين سواء امتلكوا سلعة جيدة أم رديئة، ولكن السلعة الجيدة ترتفع بصورة أكبر بالتأكيد، كما أنه في حالة تردي أوضاع السوق فإن السلعة الرديئة سينحدر سعرها بشدة بينما قد تتأثر السلعة الجيدة بصورة أقل حدة.

“الهرب من السوق المنخفضة”

وينطبق الأمر نفسه على سوق الأسهم، فما نسبته 20-33% من المتداولين في السوق الأمريكي يخرجون منه بشكل كامل حالة تأكد وجود سوق هابط أو سوق دببة، وترتفع هذه النسبة إلى قرابة 40% في بعض أسواق الدول النامية، وذلك خوفًا من تأثير تردي السوق على حيازاتهم من الأسهم.

ويتبنى هؤلاء بشكل واضح نظرية الانسحاب من السوق حال تراجعها، وغالبًا ما يكونوا من صغار المستثمرين الذين يديرون محافظ استثمارية قليلة التنوع وتشكل تلك الأموال أهمية نسبية كبيرة بالنسبة إليهم.

والشاهد أن المستثمرين الخبراء يبقون متمسكين بأسهمهم رغم تراجع أسعارها وانخفاض السوق بشكل عام، وذلك ثقة منهم في أن تلك الأسهم التي تم اختيارها بعناية لن تتأثر سعريًا بنفس الدرجة، كما أنها ستكون الأسرع تعافيًا من التراجع، وإن عملوا على زيادة “الكاش” معهم حرصا على انتهاز فرص استثمارية قد يوفرها السوق المتراجع.

استراتيجيات مختلفة

وفي مواجهة السوق السيئ أو الجيد وتأثيره على سعر السهم يعتمد المتداولون على كثير من الأساليب، ومن ضمن الاستراتيجيات التي لا تفلح أبدًا مع السوق المضطرب و”قد” تفلح مع السوق الجيد هي نظرية تخفيض متوسط الشراء للأسهم بأن يشتري المتداول المزيد من الأسهم حال انخفاض سعرها بدلًا من الذهاب لبيعها.

فإذا اشترى متداول 100 سهم من أسهم شركة وسعرها 100 ريال، ثم اشترى 100 سهم أخرى حال انخفاض السعر إلى 90، فإن متوسط شرائه لسعر تلك الشركة يكون 95 ريالًا، وبناء عليه إذا ارتفع سعر السهم إلى 105 ريالات في وقت لاحق يكون قد حقق ربحاً أكبر من احتفاظه بالأسهم التي اشتراها بـ100 ريال فقط، بل وسيكون قد حقق الأرباح إذا عاد السهم إلى مستوى 100 ريال ولم يرتفع عنه.

ويتم الترويج لهذه الاستراتيجية بدعوى أن هذا يشكل دعمًا للسهم الذي تمتلكه بشرائه في الوقت الذي ينخفض فيه كما أن خفض المتوسط الحسابي لسعر شراء السهم من شأنه زيادة الأرباح العامة من شرائه، ولكن يبقى السؤال عن مدى نجاعة تلك الاستراتيجية.

في حالة سوق “مزدهر” بسبب تطور جديد، مثل “دوت كوم” في نهاية تسعينات القرن الماضي، أو الدفعة التي تلقتها السوق بسبب أسهم الذكاء الاصطناعي، حيث ارتفع مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” بنسبة 27% منذ نهاية أكتوبر 2023 حتى الثاني والعشرين من مارس 2024.

ولكن يبدو هذا استغلالًا لـ”الترند” في سوق الأسهم، ويبقى السؤال عن مدى ضمان المستثمر بقاء هذا التوجه التصاعدي في السوق قائمًا من جهة، ومدى إمكانية استفادة السهم الذي يمتلكه المتداول تحديدًا الاستفادة من هذا الاتجاه للسوق.

وفي حالة السوق الهابط فإن هذه الاستراتيجية لا تفلح يقينًا، لأنه إذا كان سهم ينخفض بما يعكس عدم ثقة السوق فيه، ومع هبوط السوق وسيادة بيع الخوف وتحركات الهلع فإن الأسهم المنخفضة غالبًا ما تكون الأكثر تأثرًا، حيث يدعم الانخفاض العام اتجاهها، وتشهد مزيدًا من التراجع.

علاج لغياب المعارف

وتبدو هذه استراتيجية منتشرة لدى الكثير من المتداولين في الأسواق النامية، حيث يحتاج المتداولون المعارف الأساسية للتداول في سوق الأسهم، فيلجأون لنظريات إحصائية في محاولة لزيادة فرصهم في الربح في السوق “إحصائيًا” وهو أمر محفوف بالمخاطر لأنه غير مبني على أسس التحليل الأساسي ولا حتى الفني.

وهناك الكثير من الاستراتيجيات التي يتخذها بعض المتداولين بناءً على حالة السوق وليس السهم، ومنها الشراء في أدنى مستوى خلال عام والبيع في أعلى مستوى خلال عام، فضلًا عن الإفراط في تنويع المحفظة الاستثمارية لتصبح انعكاسا لكافة قطاعات السوق أملا في صعودها معه وهبوطها معه.

وعلى الرغم من أن استراتيجية التنويع الكبير في حالة السوق الصاعد تبدو جذابة، غير أنها تواجه بحقيقة أخرى وهي أن أكثر من 80% من المستثمرين في السوق الصاعدة يطيلون الاحتفاظ بالأسهم “أطول مما ينبغي” بما يقلب أرباحهم خسائر في كثير من الأحيان، كما أن هذه الاستراتيجية قد لا تكون ناجعة باستمرار إلا بنسبة ما مع المحافظ الاستثمارية الكبيرة وليست الصغيرة ولا المتوسطة.

والشاهد أن اعتبار “حُسن السوق” بمثابة العامل الأساسي الوحيد لنمو السهم يعود إلى أن غالبية من يخسرون أموالهم في أسواق الأسهم، قرابة 98%، هم من يعرفون “بعض” قواعد الاقتصاد والارتباط بين الشؤون المالية والاقتصادية، بل ويطالع الكثير منهم نشرات اقتصادية وأخرى خاصة بقواعد التعامل في الأسواق، ويقضي بعضهم أوقاتًا في الاستماع لمحللي الأسواق باستمرار.

وبالتالي “يعتقد” الكثير منهم أن لديه المعارف الأساسية التي تعينه على اختيار الأسهم، ولكن مع تراجع السوق يبدأ في القلق على استثماراته لعدم وجود المعارف الرئيسية التي تعين المستثمر على الثقة الحقيقية في تحليلاته للسوق.

تنمية ثروة أم السير مع الركب

وتشير دراسة لـ”ريسيرش جيت” إلى أن 92% من المتعاملين في أوقات السوق الصاعدة (الثيران) لا يتحسبون لانعكاس المنحنى، بل يظلون يدفعون بما لديهم من سيولة باستمرار طمعًا في المزيد من المكاسب ورهانًا على استمرار الأسواق في الصعود.

ويدعم هذا نظرية “الأحمق الأكبر” التي تقتضي بأن شخصًا قد يشتري سهمًا بـ100 ريال، ليس بالضرورة لأنه يقدر أن هذه هي قيمته العادلية أو الحقيقية أو أنه يتم تقديره بأقل من قيمته، ولكن لأنه يعلم أن هناك من سيقبل على شراء هذا السهم بـ110 ريالات مثلًا بعد فترة وجيزة.

وفي المقابل، فإن أكثر من 81 % من المتعاملين في سوق الأسهم في أوقات الهبوط (الدببة) لا يتحسبون لارتفاعها، ولعل اختلاف النسبة بين المتحسبين للهبوط إبان أسواق الثيران والمتحسبين للارتفاع إبان أسواق الدببة يؤكد تغلب “الأمل” على الخوف في الأسواق بشكل عام ويبرر ارتفاعها بشكل يفوق تراجعها تاريخيًا.

ويشير الملياردير والمستثمر الأمريكي الشهير “كارل إيكان” إلى أن تحسبه لارتفاع وانخفاض قيمة الأصول والأسهم كان السبب الرئيسي وراء ثروته الكبيرة، معتبرًا أنه لا يوجد منحنى “دائم” سواء بالصعود أو بالتراجع .

ويقول “إيكان” إنه على المرء ألا يشتري “غير المرغوب فيه” لأنه يكون رخيصًا، ولكن بالطبع بعد انتقائه والتأكد من قيمته العالية رغم عدم الرغبة به، وهو في ذلك يؤكد أيضًا رؤيته لدخول السوق في أوقات التراجع- بعد حسابات دقيقة بالطبع- ضمانًا لشراء الأسهم عند القيعان وتحقيق أرباح قياسية.

ويبدو في حديث الملياردير الأمريكي تفرقة واضحة بين اتجاه السهم واتجاه السوق، ولعل هذا من أسباب تحقيقه أرباحًا استثنائية في سوق الأسهم.

ويشير المحلل الاقتصادي الشهير “أنتوني جاليا” إلى أن البورصات على مستوى العالم عاشت حالات كثيرة ساد فيها بيع الهلع، ولم يستفد من هذه التراجعات إلا المستثمر الذي يتقن تحليل القيمة وتحليل الاستثمار طويل المدى.

ويشير “جاليا” إلى أن نسبة 1% من المستثمرين في السوق الأمريكي اعتادت “هزيمة السوق” أو تحقيق أرباح تفوق متوسط السوق بنسبة جيدة، وهؤلاء المستثمرون لا ينسحبون من السوق بشكل كامل حال تراجعه، ولكنهم قد يجرون تعديلات على محافظهم الاستثمارية.

وفي المقابل فإن المستثمرين الذين يحتفظون بالأسهم لفترات قصيرة نسبيًا غالبًا ما يبيعون حيازاتهم بعد التأكد من أن السوق ستستمر منخفضة، ويعتقد “جاليا” أن سوق الأسهم تعمل كمساحة لنقل الأموال من المستثمرين غير ذوي الخبرة إلى المستثمرين الخبراء في هذه الحالة.

 وفي النهاية يتأكد أن السوق عامل مهم في تحليل الأسهم، لأنه من الأساسيات، ولكن إقران الربح بحالة السوق فحسب وليس السهم نفسه، والانسحاب أوقات التراجع والدخول إلى السوق أوقات الازدهار استراتيجية لا تفلح في تحقيق الأرباح.

المصادر: أرقام- ريسيرش جيت- فورنتيرز- كتاب ” Stock Investing For Dummies

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى