اقتصاد دولي

توقف صادرات كردستان النفطية عبر موانئ تركيا يكبد بغداد 11 مليار دولار

حذر تقرير بريطاني من أن تحد قرارات المحكمة الاتحادية العليا الأخيرة في العراق من صلاحيات إقليم كردستان الفيدرالية، بما يضر بالقاعدة الاقتصادية المتينة التي بناها خلال العقدين الماضيين.

وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق (أعلى سلطة قضائية في البلاد) قررت الأسبوع الماضي إلزام إقليم كردستان العراق تسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية في بغداد، و”إلزام توطين” رواتب جميع موظفي الإقليم في المصارف الاتحادية، وحل المفوضية العليا محل الهيئة العليا لانتخابات الإقليم، وتقسيم الإقليم إلى أربع مناطق لإجراء الانتخابات التشريعية المرتقبة لبرلمان كردستان، إضافة إلى قرار بعدم دستورية بعض الفقرات من قانون انتخابات برلمان كردستان العراق.

وأوضح التقرير الصادر عن “المركز العالمي للدراسات التنموية” ومقره العاصمة البريطانية لندن أن إيرادات إقليم كردستان غير النفطية في النصف الأول من العام الماضي، بلغت 80 في المئة من الإيرادات غير النفطية لمجمل المحافظات العراقية، وجذب الإقليم عدداً كبيراً من المستثمرين في مجال الطاقة، خصوصاً ما يتعلق بتطوير حقول الغاز تمهيداً لتصديره لاحقاً.

وتقدر احتياطات إقليم كردستان بـ 5.67 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهي تعادل ثلاثة في المئة من إجمالي الاحتياطات العالمية، مما يضع الإقليم في مرتبة متقدمة ضمن سوق الغاز العالمية.

ويخطط العراق للاستفادة من الاحتياطات لتوليد الكهرباء والاستغناء عن استيراد الطاقة لسد النقص الذي تحتاج إليه البلاد، إذ خولت وزارة النفط الاتحادية منتصف العام الماضي، بالتعاقد مع شركات إنتاج الغاز في إقليم كردستان، لتشغيل عدد من محطات الكهرباء.

مخاوف إيرانية من تطوير حقول غاز كردستان

وبحسب التقرير، فإن استثمار إقليم كردستان لهذه الكميات من الغاز في توليد الكهرباء يثير مخاوف إيران من استقلال العراق في مجال الطاقة، مما يتسبب بخسارتها سوقاً مهمة توفر لها مليارات الدولارات.

ويضيف أن “إيران تنظر إلى مسألة تصدير الغاز من إقليم كردستان على أنها تهديد حقيقي، فطهران كانت ولا تزال تطمح لتصدير الغاز إلى أوروبا، وهي ترفض أن يتمكن الإقليم من تحقيق ذلك، أو تحوله إلى قوة مؤثرة في السياسة الإقليمية مستقبلاً”.

ويشير التقرير البريطاني إلى الأثر السلبي لقرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة على كل من بغداد وأربيل على حد سواء، فهي تعقد ملفات كثيرة عالقة بين الطرفين كمستحقات شركات النفط الأجنبية العاملة في الإقليم وما يتعلق بكلفة إنتاج النفط، مما يهدد بتعطيل العمل في حقول نفط الإقليم ويتسبب بخسائر مالية كبيرة للاقتصاد العراقي بصورة عامة.

وفي ظل توقف صادرات الإقليم النفطية عبر الموانىء التركية وعدم قدرة الإيرادات غير النفطية على سد النفقات كافة، فإنه سيتعين على بغداد تحمل جزء كبير من رواتب موظفي الإقليم، مما يضيف عبئاً جديداً على الموازنة الاتحادية.

تركيا تستخدم ورقة النفط للضغط على واشنطن وأربيل

يلفت التقرير إلى أنه منذ أواخر مارس (آذار) 2023، خسر العراق ما يزيد على 11 مليار دولار جراء توقف صادرات إقليم كردستان النفطية عبر الموانىء التركية، وعلى رغم المفاوضات المطولة في كل من بغداد وأنقرة ووعود الأخيرة بعودة صادرات الإقليم، إلا أن شيئاً لم يحدث.

ويتحدث التقرير البريطاني عن ضغوط كبيرة تمارسها أنقرة على بغداد وواشنطن للتعاون في ملفي حزب العمال الكردستاني و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) اللذين تعتبرهما تركيا منظمتين إرهابيتين.

وتطالب أنقرة، بغداد بتصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وإخراجه من المناطق التي تهدد أمنها القومي، وتعارض أيضاً بشدة تسليح الولايات المتحدة لـ”قسد” وتعاونها معها.

ويشير التقرير البريطاني إلى دعم تركي لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في ما يتعلق ببعض المشاريع التي تعتبرها أنقرة استراتيجية لها مثل “طريق التنمية” الواصل بين ميناء الفاو على الخليج العربي والحدود التركية شمالاً والذي طالبت تركيا بتسريع العمل به، وأسست مكاتب مشتركة في عدد من المحافظات العراقية للبدء به في أسرع وقت ممكن.

هل تسرع قرارات المحكمة خروج التحالف من العراق؟

وبحسب تقرير المركز، تزامن صدور قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة مع الجدل الدائر في العراق حول مصير قوات التحالف، حيث هناك أطراف رئيسة لا يؤيدون هذه الفكرة، في حين يصر طيف واسع من الإطار التنسيقي الموالي لإيران عليها.

ويعتقد كل من الكرد وأطراف سنية بأن بغداد فشلت في توفير الحماية الكافية لمناطقهم، إذ تتعرض مناطق مختلفة من كردستان لهجمات صاروخية طاولت عدداً من حقول الغاز ودمرت منازل لرجال أعمال كرد وأودت بحياة عدد من المواطنين.

ويضيف التقرير أن رئيس الوزراء العراقي بات يدرك خطورة الموقف على مسقبل حكومته التي قد ينسحب منها الكرد أو السنة، فالضغط الذي يمارس على إقليم كردستان والمكون السني من الممكن أن ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي والاقتصادي للعراق، ويهدد نظام حكمه الفيدرالي بصورة عامة، وفي حال حدوث ذلك، فإن نتائج هذه التطورات لن تبقى في حدود العراق فحسب، بل ستنعكس سلباً أيضاً على الأمن الإقليمي لكل من إيران وتركيا وتؤثر في صادراتهما إلى السوق العراقية.

فيدرالية العراق منفعة لاقتصاد المنطقة

العراق بحسب التقرير البريطاني، هو بمثابة الرئة الاقتصادية لإيران في ظل وجود العقوبات، أما بالنسبة إلى تركيا فإن العراق هو خامس أكبر مستورد لسلعها، كما تطمح تركيا وإيران إلى الاستفادة من خطط حكومة السوداني الرامية لجعل العراق نقطة وصل تجارية مهمة بين الشرق والغرب، لذا فإن أي إضعاف أو تقويض للتجربة الفيدرالية في العراق، ستكون له آثار على هذه الدول ونتائج سلبية على اقتصاداتها.

ويوصي تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية بضرورة التفكير في صياغة تشريعات تعزز تفويض الصلاحيات بين كل من بغداد وأربيل، بدلاً من تقليصها عبر مركزية السلطة، مما يتطلب جهداً على الصعيد المحلي في إقليم كردستان ذاته من خلال الحوار بين كل الأحزاب الكردستانية، وكذلك وضع أطر جديدة للتعاون بين كل الأطراف على أساس الثقة والشراكة من دون فرض الإرادات وزعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تحقق ولو بدرجات بسيطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى