مقالات اقتصادية

على الغرب أن يولي الرئيس الجديد للبنك الدولي السيد. أجاي بانجا اهتمامه

كتب أسامة صالح

إن مؤسسة بريتون وودز الكبرى أصبحت أقل مركزية لما يحدث في جميع أنحاء العالم مما كانت عليه في السابق. في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كانت عبارات مثل “الشروط” و”التعديل الهيكلي” – المسمى الذي يطلق على القروض المصرفية للأسواق الناشئة ذات الشروط الصارمة في كثير من الأحيان – كانت مصطلحات إساءة بين أي شخص يساري على نحو غامض. لا نعتقد أننا فهمنا تماما ما كنا نتحدث عنه. لكن الشعور بأن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كانا بمنزلة قوتي صدمة للرأسمالية العالمية الأمريكية، كان متجذرا بعمق.

بمعنى أساسي كنا على حق في ذلك. وما فشلنا في تقديره هو مدى سوء تلك الدول التي لم تأخذ دواء مؤسسة بريتون وودز في كثير من الأحيان. كان هذا هو “العالم الثالث”. أما “العالم الثاني” كان الكتلة السوفياتية، التي كانت كارثة اقتصادية وسياسية.

استمرت “فاينانشال تايمز” في تغطية البنك الدولي بشيء من التفصيل حتى قبل عشرة أعوام عندما ساعدت تقاريرها عن تضارب مصالح رئيسه السابق بول وولفويتز على استقالته، “كنت مدير مكتب واشنطن آنذاك وأفتخر بتلك المرحلة”. ومنذ ذلك الحين انخفضت تغطيتنا كثيرا.

ويرجع جزء من ذلك إلى أننا نعيش عصرا يتسم بالأموال السهلة جدا حيث تمكنت الأسواق الناشئة من الوصول إلى رأس المال الخاص الرخيص على نطاق أوسع بكثير من ذي قبل. وهو ما قلل من أهمية المصارف الإنمائية متعددة الأطراف. سبب ذلك جزئيا هو أن الصين صعدت على مدار الـ20 عاما الماضية لتصبح أكبر مقرض رسمي في العالم إلى حد بعيد. في كثير من الأسواق الناشئة، يزيد الإنفاق المالي الصيني على الإنفاق المالي لبقية دول العالم مجتمعة.

في فترة زمنية قصيرة للغاية، انتقلت الصين من كونها بلدا ليس له أهمية اقتصادية كبيرة إلى أكبر دائن لما نسميه الآن الجنوب العالمي. تغيرت ثلاثة أشياء في الآونة الأخيرة. أولا، أننا نعود إلى عصر تشديد السياسة النقدية العالمية. تكلفة القروض آخذة في الارتفاع، وكثير من الأسواق الناشئة تتخلف عن السداد. ثانيا، أن الصين تتراجع عن إنفاقها. إن مبادرة الحزام والطريق منشغلة الآن بقدر كبير بالتخلف عن سداد الديون المشحونة سياسيا – ما يسميه منتقدو الصين “دبلوماسية الديون” – قدر انشغالها بالمشاريع الجديدة. وثالثا، أصبح لدى البنك الدولي أول رئيس من الجنوب العالمي – أجاي بانجا، الذي بدأ عمله الأسبوع الماضي. كل هذا يضيف إلى الفرصة المتاحة للبنك ليحاول احتلال مركز الصدارة مرة أخرى.

بانجا مواطن أمريكي ولد في الهند – وما زالت وظيفة رئيس البنك الدولي تحت سلطة الولايات المتحدة. لكنه أمضى الأرباع الثلاثة الأولى من حياته في آسيا، ومعظمها كانت في بلده الأصلي الهند حيث كان يشق طريقه سريعا لأعلى سلم الشركات “في شركة نستله وسيتي جروب ثم أخيرا رئيسا تنفيذيا لشركة ماستركارد”. وهذا يعطيه منظورا مختلفا تماما عن أسلافه. لم يحقق ديفيد مالباس، الاقتصادي المنتهية ولايته الذي عينه دونالد ترمب، نجاحا هائلا. فقد واجه صعوبة في الاعتراف بخطر الاحتباس الحراري الذي صنعه الإنسان، وهو ما يمثل مشكلة لمؤسسة يتمثل أحد أدوارها الرئيسة في المساعدة على تمويل انتقال الجنوب العالمي إلى الطاقة النظيفة.

قبل ذلك، كان جيم يونغ كيم، الذي وظف كثيرا من المستشارين الخارجيين لمحاولة إصلاح الثقافة الداخلية المنعزلة جدا للبنك – الذين يتقاضون أتعابا باهظة ليستعيروا ساعتك ويخبرونك بالوقت. وهو ما لم يكن ناجحا. من بين الرؤساء الأخيرين للبنك الدولي، كان فقط لروبرت زوليك تأثير إيجابي ملحوظ. ولكي أكون منصفا، يعد البنك ناقلة عملاقة تصعب إدارتها. كل وثيقة قرض تتألف من بضع مئات من الصفحات تجب الموافقة عليها من مجلس الإدارة المكون من 25 شخصا، والذي يجتمع مرتين في الأسبوع. وقد يستغرق تحضير قروض البنك عدة أعوام.

مع ذلك، وضعت توقعات كبيرة على كاهل بانجا. تريد إدارة جو بايدن منه الاستفادة من الميزانية العمومية للبنك لإعطاء مزيد من القروض والمساعدة على سد فجوة التمويل المتزايدة. هذا يعني المخاطرة بالتأثر سلبا في تصنيفه AAA. من الناحية العملية، لن يحقق بانجا الآمال التي يعلقها عليه البيت الأبيض. الحقيقة الصارخة هي أن الغرب يريد تحقيق الحد الأقصى من إمكانات الموارد الموجودة بدلا من توفير موارد إضافية. لكن هذا ضيق الأفق.

مقابل كل دولار من رأس المال الجديد الذي تضعه الولايات المتحدة في البنك الدولي، ستحصل على خمسة دولارات من رأس مال مطابق من المساهمين الآخرين. ثم سيتم رفع ذلك ست مرات أخرى في إقراض جديد. هل هناك أي عائد آخر على الدولار الأمريكي يمنح 30 دولارا على الإقراض مقابل دولار واحد في رأس المال؟ لا يوجد شيء قريب من هذا. وفي غياب موافقة الكونجرس على ضخ دفعات جديدة، سيتعين على بانجا إيجاد مزيد من الطرق المبتكرة لتوجيه الأموال، مثل العمل مع المقرضين من القطاع الخاص.

يتمتع بانجا بدور كبير في نقطة انعطاف حاسمة في حكاية التنمية العالمية. انعكست كثير من نجاحات التنمية التي حققها الجنوب العالمي في الألفية بسبب الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية. هذه أزمة بطيئة الاشتعال. كما توجه حصة متزايدة من سخاء الغرب إلى أوكرانيا. وسيكون ذلك واقعا أكثر في الأعوام المقبلة عندما تصبح إعادة إعمار أوكرانيا أولوية. إذا أردنا كسب القلوب والعقول في الجنوب العالمي، والحد من قبضة الصين على قائمة عملائها، فسيتعين علينا أن نفعل ما هو أفضل من ذلك. يجب أن يحصل بانجا على كل ما يحتاج إليه للقيام بهذه المهمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى