اقتصاد دولي

مؤشرات جديدة على تعويم وشيك للجنيه المصري

تشير المعطيات القائمة إلى قرب الاتجاه إلى تعويم جديد للجنيه المصري خلال الفترة المقبلة، وربما إعلان البنوك التابعة للحكومة المصرية عن إصدار شهادات دولارية جديدة بعائد سنوي يبلغ سبعة في المئة، إضافة إلى زيادة حصيلة برنامج الطروحات الحكومية، من بين المؤشرات القوية التي تعزز الاتجاه إلى خفض جديد بقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.

قالت مصادر مطلعة، إن الحصيلة الدولارية التي تمكنت الحكومة المصرية من الحصول عليها خلال الفترة الماضية، في ظل إحكام سيطرتها على الواردات، مع تنامي عائدات السياحة وقناة السويس، عززت من الاتجاه إلى تنفيذ أحد أهم اشتراطات صندوق النقد الدولي في شأن الحفاظ على سعر صرف مرن للدولار مقابل الجنيه المصري.

وفي تقرير حديث، أبقى صندوق النقد الدولي، على توقعاته السابقة للنمو في مصر لعام 2023 في تقريره عن مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي، ورجح أن يتراجع النمو الاقتصادي في مصر إلى مستوى 3.7 في المئة هذا العام، من 6.6 في المئة خلال عام 2022، وهو ما توقعه الصندوق سابقاً في أبريل (نيسان) الماضي.

وعلى صعيد التضخم، رفع “الصندوق” توقعاته للتضخم خلال عامي 2023 و2024، ورجح أن ينمو الاقتصاد بنسبة 4.1 في المئة خلال العام المقبل، هبوطاً من خمسة في المئة في توقعاته الصادرة في توقعات أبريل الماضي، ويرجع ذلك إلى ضعف مرونة سعر الصرف، الذي أفضى إلى نقص في سوق الصرف الأجنبية، وهو ما يؤثر في حركة الواردات، كما يثبط ثقة المستثمرين، وذلك بحسب ما قالته نائبة مدير قسم البحوث في صندوق النقد الدولي، بيتيا كوفا بروكس، في تصريحات حديثة.

وتوقع “الصندوق”، أن يظل التضخم فوق مستوى 30 في المئة خلال عام 2024، إذ من المرجح أن يصل متوسط التضخم في مصر إلى 24.4 في المئة هذا العام، وأن يرتفع إلى 32 في المئة خلال عام 2024، ويعد ذلك تغييراً كبيراً عن توقعاته في أبريل الماضي التي رجحت أن يصل متوسط التضخم إلى 21.6 في المئة هذا العام، وأن يتراجع إلى 18 في المئة خلال عام 2024.

وأرجعت بروكس، هذه التغيرات في معظمها إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، وهو ما يدعم توصيات الصندوق للحكومة المصرية بضرورة تبني سياسات لاستعادة توازن الاقتصاد الكلي، والسيطرة على التضخم وعلى رأسها تبني سياسة صرف أكثر مرونة.

كان معدل التضخم تسارع بأعلى وتيرة له على الإطلاق في يونيو (حزيران) الماضي، مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية على خلفية سلسلة تخفيضات قيمة الجنيه وارتفاع الطلب الموسمي، وقفز معدل التضخم السنوي العام في المدن المصرية إلى 35.7 في المئة خلال ذلك الشهر.

إصدار شهادات دولارية بعائد 7 في المئة

وخلال الساعات الماضية، بدأ بنكا “مصر” و”البنك الأهلي المصري”، في طرح شهادتي ادخار جديدتين بالدولار في إطار سعيهما لتعزيز احتياطات العملة الصعبة، إذ أعلنا عن إصدار شهادتي ادخار بالدولار لمدة ثلاث سنوات، الأولى بعائد يصرف مقدماً بالجنيه يوازي 27 في المئة من مبلغ الإيداع، والثانية بعائد سنوي سبعة في المئة يصرف كل ثلاثة أشهر بالدولار، ويصدر البنكان الشهادات اعتباراً من اليوم بحد أدنى ألف دولار ومضاعفاتها، وتسترد قيمة الشهادتين وقت الاستحقاق بالدولار.

تأتي هذه الخطوة لحشد مزيد من العملات الأجنبية إلى النظام المصرفي، إذ تم تصميم شهادات الادخار الجديدة لجذب العملات الأجنبية بخاصة من التحويلات آخذة في الانخفاض، أخيراً، ولا يستبعد “الأهلي المصري” جذب أكثر من أربعة مليارات دولار من العملات الأجنبية الجديدة من خلال الشهادات الجديدة.

ووفق البيانات المتاحة، قام المودعون بضخ 3.5 مليار دولار في شهادات الادخار الدولارية التي سبق أن طرحها “البنك الأهلي” بعائد 5.25 في المئة، ولن تسأل البنوك عن مصدر الحصول على الدولارات، وهو ما كان يمثل أكبر هاجس لدى شريحة كبيرة من المتعاملين في سوق الصرف أو المضاربين وتجار العملة.

في الوقت نفسه تشهد تحويلات المصريين بالخارج تراجعاً على رغم ازدهار اقتصادات دول الخليج، مما يشير إلى أن عديد من المصريين العاملين في الخارج يرسلون الأموال من خلال طرق غير رسمية بعيداً من النظام المصرفي.

وتعاني مصر منذ فترة طويلة من أزمة نقص العملات الصعبة التي تفاقمت باندلاع الحرب الأوكرانية وارتفاع أسعار الفائدة، وخسرت العملة المحلية نحو نصف قيمتها مقابل الدولار منذ مارس (آذار) 2022، وهو يؤدي إلى تنامي السوق السوداء التي ضاعفت الأزمة ووضعت مزيداً من الضغوط على النظام المصرفي في ما يتعلق بتوفير سيولة نقدية للعملة الصعبة.

إلى أين سيصل سعر صرف الدولار؟

كان استطلاع لوكالة “رويترز”، رجح أن نمو الاقتصاد المصري سيكون بوتيرة أبطأ مما كان متوقعاً في وقت سابق، في حين سيتراجع الجنيه أكثر قليلاً من التوقعات السابقة.

وتعاني مصر منذ فترة طويلة من نقص في العملات الأجنبية ومستويات تضخم قياسية وزيادة في عبء الديون، على رغم أن الاقتصاد يواصل تحقيق نمو مطرد في خضم الصدمات الناتجة من جائحة “كوفيد-19” والحرب الأوكرانية.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اتفقت الحكومة مع صندوق النقد الدولي على برنامج قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار، وسط تعهدات باعتماد نظام سعر صرف مرن وتقليص دور الدولة في الاقتصاد وتعزيز القطاع الخاص، ومع ذلك، تم تأجيل المراجعة الأولى للبرنامج إذ ظل سعر الصرف ثابتاً عند نحو 30.85 جنيه للدولار منذ مارس الماضي.

وجاء متوسط توقعات النمو في الاستطلاع وشمل 13 اقتصادياً، عند 4.2 في المئة في السنة المالية التي بدأت في الأول من يوليو (تموز) الجاري، وذلك بانخفاض طفيف عن توقع سابق في أبريل بتحقيق نمو 4.5 في المئة، كما توقع الاستطلاع أن يتحسن النمو في السنة المالية 2024-2025، إلى 4.8 في المئة.

وأشار متوسط التوقعات في المسح إلى تراجع الجنيه المصري إلى 34.8 مقابل الدولار بحلول نهاية هذا العام، أقل بقليل من توقعات سابقة بانخفاضه إلى 34 جنيهاً.

وتوقع اقتصاديون انخفاض الجنيه إلى 36.95 مقابل الدولار بحلول نهاية 2024 وإلى 38.90 في العام التالي.

وفقدت العملة نحو 50 في المئة من قيمتها مقابل الدولار في سلسلة من عمليات التخفيض الحاد لقيمتها منذ مارس 2022، ولا يزال يواجه ضغوطاً في السوق الموازية. وارتفع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى مستوى قياسي عند 35.7 في المئة في يونيو الماضي، متجاوزاً أعلى مستوياته المسجلة على الإطلاق في 2017 في أعقاب خفض حاد لقيمة العملة ضمن برنامج سابق لصندوق النقد الدولي.

ويشير متوسط الاستطلاع، إلى أن التضخم في المدن المصرية سيتراجع إلى 22 في المئة بحلول نهاية العام المالي الحالي في يونيو 2024 ثم سينخفض إلى مستوى 13 في المئة في العام التالي.

وفي الاستطلاع السابق في أبريل الماضي، بلغ متوسط توقعات خبراء الاقتصاد للتضخم في المدن المصرية 20.9 في المئة للسنة المالية 2023-2024، و9.3 في المئة للعام المالي 2024-2025.

ويقول مصرفيون ومحللون، إن زيادة في المعروض النقدي استخدمت لتغطية العجز المتزايد في الميزانية، مما ينذر بارتفاع أكبر للتضخم وفرض مزيد من الضغوط على الجنيه المصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى