مقالات اقتصادية

هل وصلت الأجواء المناهضة للذهب إلى قاعها؟

كتب أسامة صالح

قبل أسابيع قليلة، عندما وصل سعر الذهب إلى مستوى قياسي لم يهتم أحد بالأمر سوى قلةٌ قليلة من المهووسين به.

لكن عندما وصلت عملة “بتكوين” إلى مستوى قياسي، لاقى ذلك اهتمام الجميع. الدليل على ذلك كان في الصفحات المخصصة لمواضيع التمويل الشخصي في الصحف البريطانية. نشرت “فايننشال تايمز” موضوعاً حول الاستثمار في شركات تعدين العملات المشفرة، وقراءة مطولة حول الأخطاء التي لا تزال ترتكبها العملات المشفرة، ومعاناة المستثمرين البريطانيين المحرومين من حق حيازة صناديق الاستثمار المتداولة للعملات المشفرة (ETFs).

خصصت صحيفة “ذا تلغراف” صفحة كاملة تقريباً حول كيفية الشراء. كذلك شقّت عملة بتكوين طريقها إلى قسم تقارير السوق في صحيفة “ديلي ميل”، وحظيت بتغطية جيدة في صحيفة “ذا تايمز” أيضاً، مع نظرةٍ أخرى لمعاناة المستثمرين البريطانيين مع البيروقراطيين الرجعيين الذين يمنعونهم من الحصول على فرصة سهلة للاستثمار في أصل القرن.

لم يكن لدى أي من هذه الصحف مقالات عن الذهب، إلا إذا فاتني الأمر. في شهر مارس، ارتفع المعدن الأصفر بنسبة 9.1% (مقابل 14% لبيتكوين و3% للأسهم العالمية)، وهذا الأسبوع وصل إلى مستوى قياسي آخر مرة جديدة في ظل قلة اهتمام ملحوظة.

أستطيع تفهم الأمر. الذهب ليس رقمياً، كما أنه ليست لديه عصابةٌ متنامية من المبشرين على إكس (تويتر سابقا)، وليس لديه رمز تعبيري خاص به، وهو ليس أموالاً جديدة، بل يعتبر بمثابة أموال قديمة جداً، إذ يعد واحداً من أقدم أشكال الأموال المعروفة.

في رحلة سريعة إلى متحف فيتزويليام في كامبريدج الأسبوع الماضي، رأيت بعض العملات الذهبية التي قدمها كروسوس، ملك ليديا، في حوالي عام 550 قبل الميلاد، وهي عملة ذهبية تم سكها بمناسبة الألعاب الأولمبية التي تم الاحتفال بها في مقدونيا عام 242، وربع دينار ذهبي من صقلية من عام 970 ميلادي، واثنين من المهرات الذهبية التي أصدرتها دار سك العملة في أغرا عام 1619.

اتضحت الصورة. إنها أموال قديمة جداً. لكن احتمال رؤية عملات ذهبية فعلية في المتحف بشكل أكبر من احتمالية رؤيتها في محفظتك، لا يعني أن الأمر غير مهم. كدليل على الأمر، انظر إلى من يشتري الذهب اليوم.

الإحجام عن شراء الذهب

لم يقبل المستثمرون الأفراد في الغرب على شراء الذهب مؤخراً. تعتبر صناديق الاستثمار المتداولة التي تركز على الذهب مؤشراً جيداً لقياس اهتمام المستثمرين العاديين. بحسب مجلس الذهب العالمي، شهدت هذه الصناديق بشكل جماعي خروجاً لأموال المستثمرين لمدة تسعة أشهر متتالية حتى نهاية فبراير. وفي هذا العام وحده، وصلت قيمة الاستثمارات التي تم سحبها إلى حوالي 5.7 مليار دولار، فيما شهدت الولايات المتحدة وأوروبا أسرع انسحاب، كما انخفضت الحيازات الجماعية لصناديق الاستثمار المتداولة بنحو 20% عن مستواها في أكتوبر 2020.

وهناك بعض الدلالات على أن هذه الأجواء المناهضة للذهب وصلت إلى قاعها. كان النزوح الجماعي في فبراير أقل مما كان عليه في الأشهر القليلة الماضية؛ كذلك كانت هناك تدفقات شهرية صغيرة إلى صناديق الاستثمار المتداولة الآسيوية على مدار الـ12 شهراً الماضية؛ ووفقاً لتشارلي موريس من شركة الأبحاث “بايت تري” (ByteTree)، قد نشهد الآن تدفقات صغيرة.

عندما يتعلق الأمر بالطلب على الذهب، يجب النظر إلى المدخرين والبنوك المركزية في الأسواق الناشئة. كلاهما كانا من “المشترين الكبار للسبائك” منذ بداية الحرب في أوكرانيا، كما يقول دنكان ماكينيس من “روفر إنفستمنت كومباني” (Ruffer Investment Company). وهؤلاء لا يشترون في صناديق الاستثمار المتداولة، بل يشترون الذهب المادي. ففي الصين، على سبيل المثال، هناك اتجاه جديد بين الشباب لشراء حبات صغيرة من عيار 24 قيراطاً أو “حبوب” كل شهر كشكل من أشكال الادخار طويل الأجل، وهو أمر يتسارع مع تلاشي الثقة في إمكانات الاستثمار في سوق العقارات.

البنوك المركزية لا تشتري الذهب بناءً على رؤيةٍ قصيرة المدى، فهي لا تشتريه للتداول. إنها تشتري الذهب للتحوط من المخاطر السياسية على المدى الطويل؛ ولدعم عملاتها؛ بهدف تعويض أي انخفاض في قيمة الدولار؛ وبدلاً من السندات الحكومية الأميركية، والتي نظراً للمعدل الذي تتراكم به الديون في الولايات المتحدة (1 تريليون دولار كل 100 يوم، وفقاً لـ”بنك أوف أميركا كورب”)، لم تعد تعتبر خالية من المخاطر. إذا نظرنا إلى الذهب بعيون البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، فهو شيء مميز للغاية، وهو وسيلة للتحوط في مواجهة كل شيء، وهو شيء احتفظ بدوره كنقدٍ، وبقوته الشرائية لآلاف السنين. وفي عالم متزايد التعقيد، من منا لا يريد بعضاً من ذلك؟

تحوط جيد

بشكل عام، محافظو البنوك المركزية هم من المشترين بكميات كبيرة (1000 طن متري سنوياً لمدة عامين متتاليين)، ولشرح الأمر بلغة بتكوين، هم من محبي “هودل” (HODL)، وهو نهجٌ يتبعه محبو العملة المشفرة، ويعني شراء العملة والاحتفاظ بها لفترة طويلة. يتساءل روفر عما إذا كنا ندخل حقبة جديدة للذهب، تتمثل بسيطرة “مشترين استراتيجيين لا يتأثرون بالسعر”، يقومون بسحب الذهب من السوق بشكل دائم، ما يخلق سوقاً يقل فيها العرض بشكل متزايد بينما يرتفع الطلب.

إذا كان الأمر كذلك، وإذا بدأ ارتفاع السعر بجذب المستثمرين الأفراد في الغرب الذين ليس لديهم حالياً أي تعرض أو تعرض ضئيل فقط للذهب للعودة إلى الاستثمار فيه، فلا يوجد ما يمنع سعر المعدن من مواصلة الارتفاع.

كيف تستثمر؟

ولكن كيف تستثمر؟ تتوفر صناديق الاستثمار المتداولة بالطبع، ولكن من الجدير أيضاً التفكير في شركات تعدين الذهب.

في أوائل مارس، أشار جون هاثاواي من شركة “سبروت آسيت مانجمنت” (Sprott Asset Management) إلى أن قطاع تعدين الذهب بأكمله في الولايات المتحدة الأميركية قيمته السوقية أقل من قيمة شركة “ماستر كارد” فقط، ولا تزيد كثيراً عن الارتفاع بقيمة شركة “إنفيديا” في يوم واحد عندما أعلنت الأرباح آخر مرة.

بدأت الصناديق بالتحرك قليلاً منذ ذلك الحين، إذ ارتفع صندوق “آي شيرز غولد بروديوسرز” (iShares Gold Producers) المتداول بنسبة 17% منذ الانخفاض الذي تجاوز 10% في عام 2022. لكنه لا يزال بعيداً جداً عن أعلى مستوياته في عام 2011، وهو ما لا يبدو منطقياً بالنظر إلى ارتفاع سعر المعدن نفسه.

قد يكون هناك مستقبل مشرق لشركات التعدين هذه. ولكن على أي حال، قد يكون من المفيد وضع القليل من الذهب في محفظتك الاستثمارية. وإذا كان البنك المركزي الصيني يعتبره تحوطاً جيداً ضد أي تقلبات، فهو على الأرجح جيد بما فيه الكفاية لبقية المستثمرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى