مقالات اقتصادية

الفنتك” يتوسع خليجياً.. هل يقضي على الإجراءات المالية التقليدية

كتب أسامة صالح 

“الفنتك” .. إنه نظام تكنولوجي جديد بدأ يقتحم عالمنا ليحول المعاملات المالية التقليدية تدريجياً إلى شيء من الماضي ويدخلنا في قطاع التقنيات المالية المتطورة في إطار التحول التكنولوجي الذي يعيشه العالم.

ويُعتبر نظام “الفنتك” أحد أهم وأبرز المصطلحات التكنولوجية التي صرنا نسمع عنها بالسنوات الأخيرة، وهو مصطلح مختصر من الكلمتين (Financial) و(Technology)، أي “التقنية المالية” أو استخدام التكنولوجيا الجديدة في الخدمات المالية.

وهذا النظام بدأ يتوسع سريعاً في دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية وقطر، ضمن جهود هذه الدول لاحتضان الابتكار والتحول الرقمي.
وقبل الخوض في توسع هذا النظام في دول الخليج يجب التوسع أكثر في تفاصيله ومعرفة أهميته.

يشير مصطلح الفنتك إلى البرامج وتطبيقات الهاتف المحمول والتقنيات الأخرى التي تم إنشاؤها لتحسين وأتمتة أشكال التمويل التقليدية للشركات والمستهلكين على حد سواء.

ويمكن أن يشمل الفنتك كل شيء؛ من تطبيقات الدفع المباشرة عبر الهاتف المحمول إلى شبكات “بلوكتشين” المعقدة التي تحتوي على المعاملات المشفرة.

ويُمكن تطبيق التكنولوجيا المالية على أي ابتكار فيما يتعلق بكيفية تعامل الأفراد مع الأعمال، مثل: اختراع أموال جديدة كعملة “بيتكوين”؛ حيث يُسهم نظام “فنتك” في القضاء على عادات التمويل القديمة، والتي تقتضي اتجاه المستثمر إلى البنك وتقديم طلب الحصول على قرض أو حتى سحب أموال.
كما أن هذا النظام يُبطل العادات المتعلقة بقبول بطاقات الائتمان من جانب الشركات، والتي كانت تتطلب حساباً مع مزود ائتماني كبير.

يؤثر الفنتك على عالم الأعمال إيجابياً فهو يوفر الوقت فقد كانت الساعات والأيام تمضي من أجل إجراء عملية مالية واحدة، لكن اليوم صار هذا كله في دقائق بل وأقل من هذا بواسطة التكنولوجيا المالية.
ويسهم بشكل كبير في تسريع عالم الأعمال، وإتاحة المزيد من الوقت للمستثمرين لمهام أخرى لها أهمية كبيرة.

وتساعد التكنولوجيا المالية كذلك في سرعة اتخاذ القرار بشكل مدروس؛ وتساهم بشدة في تسريع إنشاء الشركات، وتفعيل قرارات الاستثمار، بل وتسهيل العمليات المالية بشكل غير مسبوق، ما يصب في مصلحة المستثمر ومن ثم السوق التي يعمل فيها.

ويعمل نظام الفنتك على زيادة حضور الشركات كلياً على الإنترنت، وتحديداً الشركات التي تتطلب معاملات مالية، فبواسطة اتباع وتطبيق تكنولوجيا التقنية المالية صارت الشركات اليوم أكثر ثقة بتعزيز وجودها بشكل متكامل على الإنترنت مع اتخاذ الإجراءات اللازمة للحماية.
النظام المالي التكنولوجي يساهم كذلك في نمو هائل للتجارة الإلكترونية، وهي واحدة من أهم المميزات.

ومن أهم الأمثلة على تطبيقات تقنية الفنتك المتطورة التي نستخدمها في الحياة اليومية: التسوق الإلكتروني، والدفع عن طريق شبكة الإنترنت، والمحافظ الرقمية، أو عندما تبدأ تنفيذ مشروعك الصغير وتنتهي من دراسة المشروع وتكتشف احتياجك للتمويل، فتتجه لمنصات التمويل الجماعي.

وعليه، إن نظام الفنتك يتمثل في شركة مالية متكاملة يُمكن حملها في أي مكان، وتنجز من خلالها جميع أمورك المالية بكل سهولة ويُسر.
وزاد الاستثمار العالمي في الفنتك بأكثر من 12000% من 930 مليون دولار في عام 2008 إلى 121.6 مليار دولار في عام 2020.
في منطقة أوروبا والشرق الأوسط كان الاستثمار في التكنولوجيا المالية قوياً للغاية؛ حيث بلغ 39.1 مليار دولار في العام 2021.

على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي أظهرت بيانات “فنتك” السعودية، في ديسمبر الماضي، ارتفاع عدد شركات التقنية المالية بالمملكة بنسبة 37% في العام 2021.
وأشارت البيانات إلى أن حجم الاستثمارات في قطاع الفنتك بلغ قرابة 1.3 مليار ريال (نحو 350 مليون دولار) في 2021.

ورصدت “فنتك السعودية” أن 74% من السعوديين استخدموا على الأقل حلاً واحداً من حلول التكنولوجيا المالية في 2021.
أما في الإمارات، فوفقاً لبيانات نشرتها وزارة الاقتصاد الإماراتية، في يونيو 2022، فإن الإمارات تقود سوق التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد أن بلغت قيمتها في العام 2021 نحو 2.5 مليار دولار.

وفي يونيو 2022، كشف استطلاع جديد أجرته شركة “Checkout” للتكنولوجيا المالية، حول مزوّد حلول الدفع، عن أن أكثر من نصف سكان الإمارات يستخدمون المحافظ الرقمية لأول مرة، وأبدى نحو 40% من المشاركين في الاستطلاع أن ثقتهم بالمحافظ الرقمية توازي ثقتهم بالبنوك.

بحسب تقرير لمجلة “فنتك تايمز”، الذي يحدد ترتيب دول المنطقة في اعتماد التكنولوجيا المالية، فقد اعتبر، عام 2022، أن الإمارات تحتل المركز الأول في سرعة التقدم في هذا المجال بالمنطقة.
وتحتضن دبي وحدها 132 شركة من أصل 500 شركة تعمل بمجال الفنتك، ثم تأتي السعودية، بحسب هذا التقرير، تحت تصنيف “صاعد بقوة” في هذا المجال.

وفي قطر أعلن محافظ مصرف قطر المركزي، الشيخ بندر بن محمد بن سعود آل ثاني، في يونيو 2022، أن المصرف يعمل على تصـميم اسـتراتيجية جديدة للتكنولوجيا المالية ويعتزم إطلاقها خلال الربع الأول من 2023.
وذكر “آل ثاني”، أنه سـيتم تنفيذ منصـة مدفوعات متكاملة تماماً، كجزء من التحديث الحالي لبرنامج نظام الدفع، ومن ضمن ذلك نظام بنية تحتية مركزي لشبكة مدفوعات فورية على مستوى الدولة، كما يقوم مصرف قطر المركزي بإنشـاء البنية التحتية اللازمة لتمكين البنوك من قبول المدفوعات من المحافظ الرقمية.

وفي مايو الماضي، وقعت بريطانيا شراكة استثمارية جديدة مع قطر تشمل استثمار الدوحة 10 مليارات جنيه إسترليني (12.5 مليار دولار) خلال السنوات الخمس المقبلة.
وستكون التكنولوجيا المالية والأمن السيبراني من أبرز الاستثمارات القطرية ضمن هذه الشراكة مع بريطانيا.

وحول انتشار الفنتك في دول الخليج وأهميته، قال احد الخبراء الاقتصاديين: إن “دول الخليج تقدمت بخطوات قوية نحو التحول الرقمي، بما يشمل الفنتك، وتستحوذ على حصة جيدة من الاستثمار بهذا المجال، خاصة الإمارات والسعودية”.

وأضاف أن “منظومة الفنتك تساهم في دفع الحركة التجارية والاستثمارية في دول الخليج؛ فهي تبسط المعاملات المالية للمستهلكين والشركات ورجال الأعمال، ما ينهي الإجراءات الروتينية السابقة”.

يمكن من خلال الفنتك دفع الفواتير من خلال الإنترنت وعبر تطبيقات الهواتف الذكية المحمولة وإنهاء جميع الإجراءات المالية لدى الشركات والمؤسسات الحكومية عبر تطبيقات إلكترونية خاصة تعتمد على أنظمة الذكاء الصناعي، حسب المحلل الاقتصادي.

وأشار إلى أن من أبرز مجالات الفنتك في دول الخليج العربي: المعاملات البنكية، وإدارة الأصول والعقارات، وعمليات البيع والشراء، والتأمين، فشركات التأمين بدأت تعمل على نطاق واسع بمجال التكنولوجيا المالية.
كما تتضمن مجالات الفنتك التمويل والإقراض، والعمل في أسواق المال لتنفيذ عمليات البيع والشراء لحظة بلحظة.

وحسب بيانات شركة “ريدسير2” المختصة بأبحاث السوق، فإن معدل المدفوعات الرقمية لدى العملاء بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفع بشكل لافت عند 53% مع نهاية العام 2021، ارتفاعاً من 40% بالعام السابق له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى